الآداب المعنوية للضيافة
الضيافة في النفس : حالة معبرة عن حب الناس ، والرغبة في إكرامهم .
وفي المجتمع: ظاهرة تدل على الانفتاح والعطاء .
والضيافة: خلق فاضل كريم ، يشير إلى صفاء
النفس ، وصدقها ومحبتها للغير ، وإلى خروجها من الانطواء
والحرص والأنانية .
وهي ترتبط بجملة من الخصال الكريمة ، والصفات
الحميدة السليمة . . إذ كل خلق له ما يجانسه ، والضيافة
تتجانس مع السخاء والكرم والجود ، وتتناغم مع الرحمة
والعطف والحنان ، وتتوافق مع الألفة والمحبة والوئام.
واذا اردنا ان نعرف مدى اهميتها وهل هي من اخلاق الشارع والعرف معا ام لا ؟
فما علينا الا التامل بالمسالة مليا فعندها سنستنتج ان
الأخلاق الوضعية تقاليد يتوارثها الناس أبا عن جد ،
وتنتقل فيما بينهم عن طريق التوارث والعدوي الاجتماعية ،
وتتحكم فيها الأهواء والأمزجة ، والظروف العامة والخاصة .
أما الأخلاق الإسلامية . . فهي أحكام إلهية تحمل الاعتقاد
السليم والموقف الشرعي ، وتمتاز بخصائص عديدة ، منها :
1-لا تنفصل عن الإيمان بالله " سبحانه وتعالى " ، فهي
صور من أخلاق الله " عز وجل " . فالكرم مثلا حسن عقلا
وشرعا ، إذ هو الكريم " جل وعلا " والامر بالكرم ، والكريم في
الدين قريب من الله ، حسن الظن بالله ، معتقد أن الله " عز وجل "
يرزقه كلما أنفق حتى لو كان مقترا معسرا . . جاء عن النبي
الأكرم " صلى الله عليه وآله وسلم " قوله : ثلاث من حقائق
الإيمان : الإنفاق من الإقتار ، وانصافك الناس من نفسك ، وبذل
العلم للمتعلم ، وعن الإمام علي " عليه السلام " قال : من أيقن
بالخلف ، جاد بالعطية وقد رغب الإمام الصادق
" عليه السلام " في الإنفاق فقال : أنفق وأيقن بالخلف .
والبخل مذموم عقلا وشرعا ، وقد نهى الله " تعالى " عنه
وهو الذي أكرم خلقه جميعا : من عبده وأطاعه ومن عصاه ،
من صد عنه ومن دعاه . والبخيل بعيد عن الله ، سيئ الظن بالله
" عز وجل " ، قال النبي الأعظم " صلى الله عليه وآله وسلم " :
السخي قريب من الله ، قريب من الناس ، قريب من الجنة .
والبخيل بعيد من الله ، بعيد من الناس ، قريب من النار .
ولبيان علاقة السخاء والبخل بالايمان نتأمل في هذه
وروي عن مولانا علي بن أبي طالب " عليه السلام "
قوله : البخل بالموجود ، سوء ظن بالمعبود .
* وعن الإمام الصادق " عليه السلام " أنه قال : حسب
البخيل من بخله ، سوء الظن بربه . . .
* وجاء في ( فقه الإمام الرضا " عليه السلام " : إياكم
والبخل ، فإنه عاهة لا يكون في حر ولا مؤمن ، إنه خلاف الإيمان .
والضيافة تنجي من البخل وحالتي الحرص والطمع ،
وتفضي إلى خصلة الكرم وفضيلة السخاء . . فهي إلى جهة
الإيمان لا إلى جهة سوء الظن بالله " تعالى " .
2- تمتاز الأخلاق الإسلامية بأنها داخلة تحت عناوين
الفقه ، فتنتظم في الواجب والمحرم ، والمستحب والمكروه ،
والمباح . والخصال ليست كماليات اجتماعية يلذ للبعض أن
يتحلى بها أو يتخلى عنها البعض ، إنما هي تكاليف وأرزاق
معنوية ، من وجد نفسه أنه موهوب شيئا منها جهد نفسه في
المحافظة عليها وتنميتها وإخلاص النية فيها ، ومن رأى أنه
مبتلى بمساوئ الأخلاق ومذمومات الخصال تعين عليه أن
يجاهد نفسه ويتخلص منها ما أمكنه بالعلاجات الروحية
والنفسية . فالأخلاق من الطاعات والعبادات .
3- لابد في أخلاق الاسلام من النية الصالحة الخالصة، فالتوبة
توبة إذا كانت بنية الإقلاع عن المعاصي خشية من الله
" تعالى " وإقرارا بوجوب طاعته " عز وجل " ، وبنية نصوح
تحقق عدم العودة إلى الذنب . والكرم لا يكون كرما حقا حتى
يكون بنية الاستجابة لأمر الله " عز شأنه " ، وطلب مرضاته
والتخلق بأخلاقه ، والاستنان بسنة حبيبه المصطفى " صلى الله
عليه وآله " وأهل بيت العصمة والطهارة " سلام الله عليهم " .
وكذا مساوئ الأخلاق . . لا ينتهي عنها المؤمن ولا يبتعد إلا
لأنها واقعة في سخط الله " سبحانه " ، ومخالفة لسيرة الأنبياء
والأوصياء " صلوات الله عليهم "
إذا أردنا أن نستجمع خصائص الأخلاق الإسلامية
قلنا :
إنها منطوية على المعاني الإلهية والخصائص الإنسانية
الشريفة التي يرضاها الله " جل جلاله " ، والتي تأخذ بيد العبد
إلى الواقع في معاملات يومية ، وتخرجه من أطر النظريات
الخيالية والفكر الجامدة ، والتوهمات الفاقدة للحياة العملية .
فأخلاق الدين ليست كلمات يحسن المرء التكلم بها والتعبير
عنها بمنطق جذاب رصين ، إنما هي حالات تنبع في القلب
وتظهر على الجوارح ، وهي مثل سامية مغموسة بالايمان
والتقوى ، ومشفوعة بالنية الصادقة السليمة ، ومنعكسة على
الأقوال والأفعال . والضيافة منطوية على الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر
جاء في الحديث نبوي شريف : من كان يؤمن بالله
واليوم الآخر فليكرم ضيفه .
فالضيف حبيب الله ورسوله - كما ورد في الحديث القدسي
الشريف - ، والزائر لأخيه هو زائر لله " جل وعلا " ، وإكرامه
إكرام لله " تبارك وتعالى " . . فقد روي عن النبي الأكرم " صلى
الله عليه وآله وسلم " أنه قال : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر
فليكرم جليسه . من أكرم أخاه فإنما يكرم الله . وكرم
الضيافة معبر عن حسن الظن بالله " سبحانه " بأنه الرزاق
والمخلف ، وهذا من الإيمان . . أتى رجل النبي " صلى الله عليه
وآله " فقال : يا رسول الله ! أي الناس أفضلهم إيمانا ؟ قال :
أبسطهم كفا 0
وخلاصة ما قلناة ان الضيافة هي من الاخلاق التي تعبر عن انسانية الانسان وتفصح عن شدة ايمانه.