الذهب الأحمق

حسن الحسين : الذهب الأحمق
أول ذهب عرفته البشرية هو الذهب الأصفر .. الذهب البكر والأصل الذي عمّر طويلا ولايزال بلا منازع رغم المحاولات الانقلابية العديدة التي تظهر بين الحين والحين .
حين ظهر القطن وراج عليه الطلب وتكالبت الدول الاستعمارية على استغلاله سمي بالذهب الأبيض .. "وشلّح " الملح هذه التسمية بعد أن كان يتلذذ بها يوم كان الملح العملة التي يتداولها الناس .ولما تدفق البترول من خاصرة الصحراء.. حمل للبدو النعم والنقم معا وصال وجال .. ونامت أرصدته في صدور البنوك السويسرية.. استحق تسمية "الذهب الأسود" .. تندرج مؤخرا تسمية "الذهب الأخضر " على الغابات والمحميات الطبيعية . و"الذهب الأزرق" للمولود الجديد الغاز.انما الذي يعنينا هنا ..هو ذهب لالون له .. إنه "الذهب الأحمق"..انه كل ماعلق فينا من مفاهيم عتيقة ..وعادات متعفنة.. وعنجهيات منفوخة ثمنها طعنة دبوس صغير ..إنها مااختزناه من وهم عنترة .. ولؤم أبي لهب .. وكذبة موائد حاتم الطائي.. وغبار البسوس.. وحشو الرواة الحواة . انه التغني الأبله بالماضي: " ليس بالامكان أفضل مما كان ".. بدل أن نستغل رصيدنا أيام ما كنا .. تجدنا ننام على هذه الغلال ونؤركل من فحم هذه الحكايات دون أن نعترف بأن العملة قد تغيرت.. وفقدت رصيدها في سوق العولمة.. وكنزنا "العريق" الذي نطمره في خوابي أوهامنا قد غدا في هذا العصر "ورق صر" .أنا لا أدعو الى شطب تاريخنا .. بل إلى التزود منه والزحزحة عن جليده ..لأن اطالة مكوثنا في التاريخ تمحونا من الجغرافية ..وتحيلنا الى رماد في الذاكرة ..ونبعثر مكانا في هذا العالم المعاصر .. ملامحنا قرشية ..وعيوننا أموية.. ولكنتنا عباسية.. وشدونا نواح أندلسي .. بينما نمتشق "الشبح "و النملة" و"الغواصة" .. ونتنشق عبر مكيّفات القرن الواحد والعشرين .. ونبتلع الوجبات السريعة ..ونغتال أوقاتنا في الموبيلات ..ونسهر مع القنوات المشفّرة حتى نسمع نداء صلاة الفجر.. وننشر عطورنا الباريسية في المطاعم.. ونجدد صبانا في "الساونات "البريئة وغير البريئة. اذا ماتجرأنا وغافلنا الزمن وأرسلنا رائد فضاء كراكب مجاني.. واستشعرنا الصحوة وجاءنا أول الغيث .. "كبس" علينا النعاس وعدنا الى أحلامنا الوردية من جديد.. السؤال...هل ترديدنا كل جمعة خلف خطباء المساجد " اللهم امحق دولة اسرائيل محقا، واسحق زرعهم سحقا.. واقطع نسلهم ...." قد هزّ اسرائيل أو تسلل المقاومة الى عب تحصيناتها وقطف الأسرى وزرع سرطان الهلع في جعب الجنود ليترعوه كل مساء بدل علب البيرة التي "يمزمزونها في سيران التوغل في أرحام أوطاننا..؟وسؤال شرعي آخر: هل العدو الصهيوني يخشى ألسنة خطباء الجمعة الذين يحتالون على علم البلاغة وفنون البديع لكيل الشتائم لليهود ولعنهم وتبشيرهم بسوء المصير ؟ "حزب الله" أجاب وحلّ لغز المعادلة بدمجه آيات الصلاة مع قذائف الكاتيوشا.. وذهب الى شهر تموز شهر عسل المقاومة .. فعلّب المستوطنين في الملاجئ.. ونزع رتب الجنرالات الصهاينة عن أكتافهم في أوحال بنت جبيل .. المطلوب:التنصل من عباءة أبي سفيان .. وتكايا شهريار ..وحانات أبي نواس.. ونواح الخنساء .. وسلّ العباس.. ونلج سوق القرية العالمية بالعملة المحلية .. العملة المصكوكة بحوار الحضارات .. والعلمانية .. واثبات الذات على الأرض ..لو قمنا بتجربة متواضعة في استطلاع الرأي وسألنا أي امرئ في أرجاء المعمورة : من هم العرب .. لكانت الاجابة على الفور : - عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد والمأمون وابن سينا والرازي وابن الهيثم والفارابي والخوارزمي وابن رشد.... والقائمة تطول من العلماء والفلكيين وأهل الطب والرياضيات والفاتحين ..فاذا مادققت له في السؤال : من هم " العرب اليوم "؟ لقال بعد تثاؤب وزفير مفعم بدسم عشاء الأمس: " جمر النراجيل على أحسن ما يكون .. " ورحم الله نزار قباني. حان الوقت لننتزع مؤخراتنا من جثث الكراسي .. ونفك أسر العمامات من الزواحف التي تحاصر أدمغتنا وتحجب عنها الهواء والشمس.. و"نفلّي " شعرنا من العتمة ليتسلل التفكير الى رؤوسنا .. ونتخلى عن خرائب الأطلال.. وأحجار الأثافي ودمن البعير.. وفساد أولي الأمر.. حان الوقت لنتصالح مع ذاتنا..ونواجه المرآة بحجمنا الطبيعي .. لا بالحجم العائلي..ونبتسم لها بثغورنا .. لا بأفواه الصحابة والتابعين..ونجرب القبلات بشفاهنا ..والمتعة والآلم بأحاسيسنا ..لا بأحاسيس جليد تراكمت فوق ملامحنا..ولنتحول من سبائك الذهب مهما كان لونه أسود أوأصفر أو أزرق أو أخضر أو أبيض أو أسمر ونتكيف مع لمعان الفكر.. ورنين الحوار.. وموسيقى الآخر.

حسن الحسين

أخي الكريم د.نزار بوش
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكرك على كتاباتك ونشرك للمواضيع الأدبية و الممتعة و على اهتمامك بمواضيع أصدقائك التى تقرأ لهم .

عندي تعليق بسيط على ماورد في هذا النص أرجو أن يتسع قلبك وقلب الكاتب له .

جاء النص بطريقة أدبية رفيعة المستوى عبر الكاتب فيه عن ألمه وحزنه الشديد ورفضه للواقع الذي نعيشه بمفاهيمه العتيقة وعاداته المتعفنة وعنجهياته المنفوخة التى نتحلى بها ,ودعى الكاتب إلى التزود من التاريخ والزحزحة عن جليده لكي نبقى أحياء على قيد الحياة.

وفهمت من خلال أجوبة حزب الله (الذي يترأسه قائد ذو عمامة) على الأسئلة الشرعية التى طرحها الكاتب :
بأن نسعى وندعو الله وهو تطبيق لحكم الله عزَ وجلَ ، يعني الصلوات و التكبيرات وحدها لا تكفي للقضاء على الأعداء وأيضاً المقاومة دون هذه الصلوات و التكبيرات لا تكفي لهز الكيان الصهيوني . وللقضاء على هذا الكيان الغاشم يجب دمج التكبيرات مع الصواريخ المسددة نحو العدو .

أما إن كان المقصود من العمامات المذكورة في النص هم جميع رجال الدين الذين يضعون على رؤوسهم تلك العمامات دون فصل الرجال الخلص (الذين يتبعون كتاب الله و سنة رسوله الكريم دون زيادة ولا تقصان) فقد وقعنا في فخ العدو الذي يريدنا أن نترك جوامعنا و أن نرفض أولي أمرنا.