د. نضال معروف - كلنا شركاء
21/ 10/ 2010
نحن مولعون بالتاريخ , ونبحث عن دروسه , والأهم أننا مسكونون بفكرة عودة التاريخ. الرئيس بشار الأسد تمكن - شئنا أم أبينا - أن يجلس في مقعد متقدم من قاطرة تاريخ الشرق الأوسط وتاريخ القضية العربية, وسواء كان هذا عن سابق تخطيط منه وعبقرية سياسية أم أنه جاء بالصدفة في موعده مع القدر فانه ليس شأني فما يعنيني هو كيف أنظر إليه تاريخياً ..فقد تمكن الرجل من لفت الأنظار إليه، وصار تقدير محبيه له ليس من باب العاطفة أو لأنه ابن لزعيم بقامة حافظ الأسد بل من باب الدليل القاطع بتفرده بخيار سياسي مقاوم
بعد سنوات عشر في وجه اعصار عظيم يستحق الرجل مكانة تاريخية ولكن أكثر المقاربات المتحمسة التي لفتت نظري هي وصف أحدهم له وتشبيهه بسيف الدولة الحمداني الذي واجه الأعاصير الشمالية ورياح البيزنطيين. فالرجلان عاشا مرحلة تهديد خارجي خطير في محيط عربي واسلامي رديء مفكك ضعفت فيه هيبة الأمة فاختارا التحدي
حسناً إذاً.. ولكن سيف الدولة عاش في زمن ابي الطيب المتنبي وربما جعلته صداقته بالمتنبي وقصائد الأخير فيه أسطورة، وقد يصح العكس -أي أن هالة المتنبي اتقدت لقربه من بطل له أسطورة كسيف الدولة.
وفي مجلس سيف الدولة كان هناك الحاسدون والفاسدون المنافقون ومن تجرأ على المتنبي وحرض عليه صديقه وبطله سيف الدولة، وأمامهم نزفت دواة الحبر على جبين الشاعر العظيم واختلط دمها بدمه عندما رماه بها سيف الدولة الغاضب ليقول المتنبي كلمته الشهيرة: إن كان سركم ماقال حاسدنا ..فما لجرح إذا أرضاكم ألم...
ولكن من منا يجرؤ على الارتقاء والسمو ليجلس على عرش هذا المليك العظيم "أبي الطيب المتنبي"، ومن منا لاتهزم شجاعته إذا ماطلب منه أن يرتدي عباءة أبي الطيب?
الآن.. لدينا جزء من الحكاية وقطعة مشابهة من التاريخ, فهناك بطل في دمشق في ثياب سيف الدولة (كما وصفه أحد معجبيه) وعدو بيزنطي رومي في ثياب الجيش الأمريكي..ولكن الجزء المفقود من الحكاية هو وجود المتنبي الذي يهمس لصديقه وبطله بالحكمة..
ولكن قصائد المتنبي حاضرة والقصيدة هي روح الشاعر التي تسافر عبر القلوب والمشاعر وتهاجر عبر الزمن.. اذاً الجزء المفقود من الحكاية التاريخية قد وجد وهو حضور الشاعر عبر روحه و..قصائده.
فماذا سيقول المتنبي للرئيس الأسد إذا افترضنا لقاء الشاعر ببطله المنتصر ؟؟
أتراه يقول: مالي أكتم حباً قد برى جسدي وتدعي حب سيف الدولة الأمم؟ ربما
أتراه يقول: (أعيذها نظرات منك صادقة أن تحسب الشحم فيمن شحه ورم) ?.......ربما
لكني أعتقد أن المتنبي سيتوقف قليلاً ليختار بيتاً من الشعر قد يغنيه عن قول البقية من هواجسه وقلقه ويسافر من القلب الى القلب هو
:
وسوى الروم خلف ظهرك رومٌ ...فعلى أي جانبيك تميلُ
والمعنى واضح, فالروم أعداء صريحون أما الأعداء المختفون فهم بيننا
من هم المقصودون ب"سوى الروم" خلف ظهر الأسد الذين سيؤرقون المتنبي فيجزع على بطله? هل هم الفاسدون? أم المرتشون الذين يغيرون قيم الناس ويقتلون البراءة في شعارات العدالة? أم المنافقون أم المقربون الذين يستغلون اسم الأسد? أم أولئك البيروقراطيون الكسالى الذين يملؤون إدارات الدولة بالصدأ ويجثمون على صدور المشاريع الكبرى وأحلام البلاد بالنهوض ? أم أم....الله أعلم
...هناك قائمة لاتنتهي بما قد يؤرق
، لكن من المؤكد أن الرئيس الأسد لن يضرب المتنبي بدواة الحبر والتي لن تنكسر على جبينه العالي ولن تنزف وتختلط بدمه ... ومن المؤكد أن المتنبي لن يكون مضطراً لينشد بكبرياء جريح:
إن كان سركم ماقال حاسدنا.. فما لجرح إذا أرضاكم ألم..
فمن يسامح جنبلاط ويربت على كتف الحريري المعتذر لن يقول للخائفين على قوة الوطن ونقائه وعلى مشروع المقاومة إلا حسناً .. ولو كنت في مكان الرئيس الأسد فإن شاعراً عظيماً يسكن بين النجوم كأبي الطيب, سأغسل له قلبه بماء الورد المثلج حتى لايشتكي ويقول: واحرّ قلباه.
--------------------------------------------------------------------------------
د. نضال معروف - بريطانيا
[