يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد وهو يحدثنا حديث يعقوب (ع) لبنيه عن قصة يوسف الذي غاب عنه كما يقولون مدة (18) سنة من دون أن يعرف له خبراً (يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون). وفي آية أخرى: (ومن يقنط من رحمة ربه إلا الظالمون) . وفي آية ثالثة: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم) .
إن قصة اليأس والأمل ليست مجرد قصة تتصل بالحالة النفسية للإنسان من خلال نتائجها الإيجابية والسلبية، بل تتصل بكلام الله وبالخط العقيدي، والله يريد من الإنسان أن لا ييأس من رحمته، وأن لا ييأس من سخطه وغفرانه، حتى أن اليأس من رحمة الله يعد من الكبائر، بل لا بد له من أن يستنطق صفة العفو والرحمة لدى ربه، فهو الذي عفوه أكثر من غضبه، وهو الذي سبقت رحمته غضبه، وهو الغفور الرحيم (ورحمتي وسعت كل شيء) . ولذلك فلا بد للانسان المؤمن حتى لو تجاوز الحدود المعقولة في الذنب، لا بد أن يفكر أن الله قد فتح التوبة بأوسع مما بين السماء والأرض.(قل يا عبادي) في بعض الآيات تشعر بأن الكلمة الربانية مملوءة بالحنان (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم) والإسراف على النفس هو تجاوز الحد (لا تقنطوا من رحمة الله) لا تقولوا لقد قطعنا شوطاً كبيراً في المعصية ولن يرحمنا الله، لأن شأن ربكم الذي عصيتموه وأسرفتم في معصيته، شأنه المغفرة والرحمة (إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم) وهكذا ينبغي للإنسان أن يعيش الأمل بعفو الله ومغفرته ولكن لا بالمستوى الذي يستسلم فيه لأحلام العفو والرحمة بحيث يدفعه ذلك إلى استسهال المعصية كالكثيرين من الناس الذين يسوفون التوبة، ويستعجلون الذنب، ويقولون غداً نتوب، فالشاعر يقول:
لا تقل في غد أتوب لعل الغد يأتي وأنت تحت التراب
فمن يا ترى يضمن لك أن تتوب في الغد، فقد لا تحيا في الغد أو إذا حييت فقد لا توفق، لذلك لا بد أن يعيش الانسان بين نور خيفة ونور رجاء ((خف الله خيفة لو أتيته بحسنات الثقلين لعذبك، وارج الله رجاء لو أتيته بذنوب الثقلين لغفر لك)) هذا التوازن بين الخوف والرجاء هو الذي يدفعك إلى الطاعة ويمنعك عن المعصية ويمنعك عن اليأس.