نتطرق في هذا البحث إلى التأكيد على عظم إثم سحق كرامة الآخرين، وربما لا نجد في الإسلام ذنباً أعظم منه، وهذا ما نجده ماثلاً أمامنا في أحاديث أهل بيت العصمة(ع)؛ فمثلاً إن اتهام الناس يسحق كرامة الآخرين، وإن المتهم يوم القيامة يمكث فوق تلّ من القمامة والدم لمدة خمسمائة سنة حتى يفرغ من محاسبة الناس أجمعين، وعندها يلقونه في نار جهنم!.
وكذلك الغيبة، فقد ورد في الروايات (الغيبة إدام كلاب النار) وقد استفاد علماؤنا الكبار، كصدر المتألهين وتلامذته وأستاذنا قائد الثورة، والعلامة الطباطبائي وتلامذته، من هذه الرواية بحثاً بعنوان (تجسم العمل)، ولسنا في صدد الخوض فيه، إلا أن الذي يهمنا من هذه الرواية هو أن المغتاب يرد يوم المحشر على هيئة كلب جائع وتضع الملائكة أمامه الغيبة عل شكل لحم فاسد فيأكله، قال تعالى:
(ولا يغتب بعضكم بعضاً ايحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه)؟. (الحجرات: 12)
إن بثّ الدعايات معصية كبيرة جداً، ولا يختلف بث الدعايات؛ فمثلاً في عصر الثورة يقوم أعداؤها بصنع الدعايات ويضعونها على أفواه الثوريين، ومع الأسف يتبدل لسان الثوري إلى بوق إعلامي مناوئ للثورة فينشر الدعايات: قال تعالى: (قتل الخراصون الذين هم في غمرة ساهون)، (الذاريات: 11) وربما كانت هذه الآية أيضاً تشير إلى تجسيم العمل الذي تقدم ذكره. فإن أمثال هؤلاء الذين يكونون بوقاً إعلاميّاً معادياً، حتى وإن كانوا من الثوريين، فإنهم يؤذون المسلمين في الدنيا ويحشرون يوم القيامة على هيئة الدود، ويدعو القرآن عليهم بالويل والثبور.
الذنب الكبير الآخر هو التحقير وغمز الآخرين، وقد قال تعالى: (ويل لكل همزة لمزة) (الهمزة: 1) والمشهور بين العوام أنك إذا نصحت أحدهم بأن لا يغتاب، قال لك: أنا أتكلم ضده حتى بحضرته! ظناً منه انها شجاعة، وليس في ذلك ذنب؛ لأنه لو طعن به بحضوره فقد بهته وسحق بذلك كرامته، كما أنه إذا اغتابه فذلك أسوأ لأنه حينئذٍ لا يستطيع الدفاع عن نفسه، وفي هذه الحالة أيضاً يقوم بهدر كرامته.
ومن جهة أخرى فلو كان الرجل سيئ الأخلاق في بيته يطعن أولاده وزوجته، يبعث على هيئة العقرب، ولا ينجو من ضغطة القبر حتى وإن كان صالحاً من أهل الجنة. فقد ارتحل أحد أصحاب الرسول وقام(ص) يمشي وراء جنازته وأودعه القبر بيده المباركة وأهال التراب عليه ثم قال: (ضغطهُ القبر ضغطة تكسرت لها أضلاع صدره)! فقالوا له: (ولكنه كان صالحاً)؟ قال (ص): (أجل لكنه كان سيء الأخلاق في بيته). إن هذه الأنواع من العذاب سببها عدم رعاية كرامة الإنسان التي لا يرتضيها الإسلام.
جاء شخص إلى الرسول(ص) وقال له: (يا رسول الله! امرأة عابدة تصوم نهارها وتقوم ليلها إلا أنها سيئة اللسان وتؤذي الجيران) فقال(ص): (لا فائدة في عبادتها وإنها ستدخل جهنم إن لم تتب)! وفي رواية أخرى أن الرسول الأكرم(ص) قال: (كل امرأة أساءت مخاطبة زوجها حتى ولو بكلام بسيط كأن تقول له لم أر الراحة في داراك ستعلق من لسانها في جهنم).
قال أحد كبار العلماء: (ذهبت إلى طبيب من أجل المعالجة، فأراد الطبيب أن يفحصني قبل من سبقني إليه، فلم أوافق على ارتكاب هذا النوع من الظلم فجلست حتى يأتي دوري، وفي هذه الأثناء دخلت عجوز قروية وقالت للطبيب: سيدي الطبيب قد وضعت الوصفة بالماء المغلي، ثم تناولتها إلا أني لم أتماثل للشفاء! فصاح بها الطبيب غاضباً:
ربما اعتبر زوجك الخبزة التي تتناولينها خسارة تصيب أمواله؟ فضحك الحاضرون، فقام الطبيب بكتابة وصفة أخرى لها وقال لها: أمَّاه لم أقل لك أغلي الوصفة وإنما خذيها إلى الصيدلي. ثم اغلي الدواء وتناوليه وستتماثلين إلى الشفاء.
وبعد أن ذهبت العجوز وجاء دوري لم يكن هناك في العيادة غيري وغير الطبيب، فقلت له: قد ارتكبت ذنباً عظيماً،فقد طعنت بإنسان! وقد ورد في الروايات إن الله يهزأ بمن يهزأ بالآخرين، وقد ورد في القرآن ايضاً: (ويل لكل همزة لمزة) (الهمزة: 1) والشيء الآخر أنك أضحكت الآخرين عليها ولدينا في الروايات (أن من أوقع الآخرين في المعصية فإنه علاوة على مؤاخذة العاصي يؤاخذ من اوقعه وأعانه على المعصية).
إن مداخل الشيطان كثيرة، فتراه أبداً لا يتعرض للمرأة العفيفة، من ناحية العفة؛ لأنه يعلم أنه لا يحقق نجاحاً في ذلك، وإنما يقول لها: (اغتابي، اتهمي، أشيعي الدعايات) ولا يقول لمن له كرامة: اصعد على جدار الناس واسرق ما لديهم، وإنما يأمره بالنظر إلى النساء بريبة، ولا بد أن نعلم بأن المغتاب الذي يتهم الآخرين، ما هو إلاّ سارق للكرامة، وإثم هذا النوع من المعاصي أكبر من سرقة أموال الناس، وإن الشيطان ليسعى من خلال هذه الأعمال إلى إدخالنا جهنم.
وقد ورد في الروايات أن هناك مجموعتين يوم القيامة تصل ألسنتهم إلى الأرض وتمتد عليها ويقوم الناس بسحقها: المجموعة الأولى: هي مجموعة المغتابين، والمجموعة الثانية: هي الأزواج والزوجات الذين لا يحفظون ألسنتهم في حياتهم من الكلام البذيء.