ما قل ودل :
من أسرار الثورة الحسينية
الحلقة الخامسة
دم الحسين (ع) أنطق الأعداء و الأصدقاء .
الدم من أقوى عوامل التحريك في المجتمع . ولا دم كدم الحسين (ع) حرك الضمائر وانطق الألسن التي أخرسها الخوف أو أسكتها الطمع .
قال محمد عبدة :
لولا الحسين لما بقي لهذا الدين من أثر , إذا وجد في الدنيا حكومة عادلة تقيم الشرع وحكومة جائرة تعطله وجب على كل مسلم نصر الأولى .
ومن هذا الباب خروج الإمام الحسين سبط الرسول (ص) على إمام الجور والبغي يريد بن معاوية خذله الله وخذل من انتصر له.
وقال جبران خليل جبران النصراني :لم أجد في تاريخ البشرية رجلا جعل دمه الطاهر وقفا لاسترجاع كرامات الناس كالحسين بن علي .
وقال مستشرق مسيحي : إن الحسين إنما تحرك مقاومة للانحراف وأنه نجح في ذلك تماما .
وحرك دم الحسين (ع) فطرة الصحافي المغربي إدريس الحسيني فكان أن اهتدى وألف بعد رحلة دراسية في سفينة النجاة كتاب : لقد شيعني الحسين (ع) وكتب تحت عنوان الكتاب:
الانتقال الصعب في المذهب والمعتقد . ثم قال : كربلاء مدخلي إلى التاريخ ، إلى الحقيقة ، إلى الإسلام .
الذين قتلوا الحسين (ع) وهم يعلمون أنه خيرا من أميرهم وسيد العرب والمسلمين وما قتلوه إلا طمعا في الحطام . الذي أمناهم به يزيد ، أليسوا قادرين على تحريف الإسلام واختلاق الحديث بحثا عن نفس الحطام ؟
لقد شيعني الحسين (ع) من خلال المأساة التي شاهدها هو وأهل البيت . شيعني بدمائه الذكيه وهي تنساب على الرمل الأصفر بأرض الطفوف ، وبصراخ الأطفال ونواح النساء .
فسلام عليك يا أبا عبد الله وعلى دمك الطاهر سلاما خالدا خلود العطاء الأبدي لدماءك الذكية .
وتكلم سيد قطب حول الحسين فقال : دم ودموع وسمو واستعلاء . وألم يفري الضلوع وعزة نفس وإباء . تلك ذكرا أبي الشهداء .
ما العبرة في ذكرى أبي الشهداء ؟
هي عبرة العقيدة التي لا تضعف ، والإيمان الذي لا يهن ، والعزة التي لا ستخذي ، والإباء الذي لا يقهر والقلب الشجاع ا لذي لا تردعهُ الأهوال .
وانطق دم الحسين (ع) الأديب السوداني بابكر النعيم ، فقال :
من يقرأ التاريخ الإسلامي يجد أن كربلاء كانت ولا تزال نقطة ثابتة ، ومن أهم نقاط التحول والتنقل التي تعرض لها المجتمع الإسلامي بعد رحيل الرسول الأعظم (ص) إن الحزن والدموع وإعادة الذكرى والوقوف على أرض الطف هي مصاديق الولاء الانتماء الحقيقي لمسيرة الإمام الحسين (ع) التي جسدت هوية الأمة الإسلامية وأجرت الدم في عروقها فكانت كربلاء .
ودم الحسين هو الذي انطق شوقي أمير الشعراء فقال : أحب الحسين ولكننـي لساني عليه وقلبي معه
كففت لساني عن مدحه أخـاف أمية أن تقطعه
وأنطق محمد اقبال فقال يرثي دم الحسين (ع) في الكعبة العليا وقصتها نبأ يفيض دما على الحجر
بدأت بإسماعيل عبرتـها ودم الحسين نهاية العـبر
ودم الحسين هو الذي انطق الإمام الشافعي فقال يرثي دم الحسين أيضا :تأوه قلـبي والفـؤاد كئيب وأرق نومي فالسهادُ عجـيبُ
فمن مبلّغ عني الحسين رسالة وإن كرهتها أنفـسٌ وقلـوبُ
ذبيحٌ بلا جرم كـأن قميـصهُ صبيغ بماء الأرجوان خضيبُ
ولكن المعجزة أن دم الحسين كان من أقوى عوامل التحريك للأمويين أنفسهم :
صعد معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان المنبر بعد أن استلم الملك بعد أبيه وخطب قائلا : إن الخلافة حبل الله وأن جدي معاوية نازع الأمر أهله ومن هو أحق به منه علي بن أبي طالب وركب بكم ما تعلمون حتى أتته منيته فصار في قبره رهينا بذنوبه ، ثم قلّد أبي الأمر وكان غير أهله ونازع ابن بنت رسول الله (ص) فقصف عمره وانبتر عقبه وصار في قبره رهينا بذنوبه .
ثم بكى وقال : من أعظم الأمور علينا علمنا بسوء مصرعه وبؤس منقلبه وقد قتل عترة رسول الله (ص) وأباح الخمر وخرب الكعبة ، ولم أذق حلاوة الخلافة فلا اتقلد مرارتها فشأنكم أمركم .
ثم تغيب في منزله حتى مات بعد أربعين يوما . ابن حجر في الصواعق المحرقة ص 134 .
وهاك الكثير الكثير الذي انطقه دم الحسين .
أليس الدم من أقوى عوامل التحريك في المجتمع ؟
أليس ذلك من أسرار الثورة الحسينية ؟