محاضرة رقم (2)
مجمع السيدة رقية عليها السلام
البلاغة العربية
الحقيقة و المجاز
الحقيقة : تم تقسيم الكلام عند العرب إلى حقيقة ومجاز في القرن الثالث الهجري وما بعده .
الحقيقة ثلاثة أنواع : الحقيقة الشرعية والحقيقة العرفية والحقيقة اللغوية , ويهمنا الحقيقة اللغوية وهي التي وضعها واضع اللغة ودلَّت على معانٍ مصطلح عليها في تلك المواضعة , مثل : الجبل والرجل والقلم والشمس, فإذا استعملت في معناها الأصلي فهي حقيقة لغوية وإذا استعملت في معناها الأصلي فهي مجاز .
تعريف الحقيقة عند عبد القاهر الجرجاني : (( الحقيقة في المفرد هي كل كلمة أريدَ بها ما وقعت له في وضع واضع وقوعاً لا يستند فيه إلى غيره )) .
تعريفها عند ابن الأثير : (( إنّ الحقيقة هي اللفظ الدّال على موضوعه الأصلي, والحقيقة اللغوية هي حقيقة الألفاظ في دلالتها على المعاني )) .
قال ابن الوردي ينصح ابنه :
اعتزل ذكر الأغاني والغزل وقل الفصل جانبْ منْ هزل
واهجر الخمرة إن كنتَ فتىً كيف يسعى في جنونٍ من عَقَلْ
و اتّقِ اللهَ فتقوى اللهِ مـا جاورت قلبَ امرئٍ إلّا وصلْ
واطلب العلم ولا تكسل فما أبعد الـخير على أهل الكسلْ
لا تَقُلْ قد ذهبتْ أربابُهُ كلّ من سار على الدربِ وصلْ
لا تَقُلْ أصلي وفصلي أبداً إنّما أصلُ الفتى ما قد حصلْ
تجد أنّ ألفاظها وكذلك تراكيبها استخدمت لمعانيها الأصلية الموضوعة بها في اللغة فهو استخدام حقيقي, وهذه هي الحقيقة .
المُجاز
عقلي ( علاقات إسناد ) لغوي
زمانية مكانية مفعولية فاعلية مصدرية
علاقات خارج إطار المشابهة علاقات مشابهة (الاستعارة)
علاقات الإسناد تأتي في ذاتية النص الأدبي (المجاز المرسل)
والمسند إليه هو الأساس 1- السببية
2- مسبّبية
3- اعتبار ما كان
4- اعتبار ما سوف يكون
5- علاقة جزئية
أكثر شيوعاً في الكلام 6- علاقة كلّية
7- علاقة آلية
8- علاقة حالية
9- علاقة محلية
10- علاقة مجاورة
المجاز نوعان عقلي ولغوي .
المجاز العقلي : هو مجاز يقوه على إسناد الفعل أو ما في معناه إلى غير ماحقُّه أن يسند إليه, ويسمى المجاز الإسنادي .
علاقات المجاز العقلي :
1- الزمانية : في مثل قول الله عز وجل : ((فكيف تتقون إن كفرتم يوماً يجعل الولدان شيبا))
إذ أسند شيب الولدان إلى اليوم, واليوم لا يشيب الولدان, لكنه الظرف أو الزمان الذي يتم فيه ذلك, فالعلاقة زمانية .
2- المكانية : في مثل قول الشاعر :
ملَكْنا فكان العفو منّا سجيّة فلمّا ملكتم سال بالدمِ أبطحُ
سالَ بالدم أبطح : إسناد مجازي لأنّ الأبطح وهو الوادي مكان سيلان الدم والذي يسيل حقيقةً هو الدم, فالعلاقة مكانية .
3- المفعولية : في مثل قول الشاعر :
فبتُّ كأنّي ساورتني ضئيلةٌ من الرقش في أنيابها السمّ ناقعُ
المجاز في السمّ ناقعُ, والسم لا يكون ناقع وإنما منقوع في ماء أو نحوه فعلاقته مفعولية لأنه ذكر اسم الفاعل ناقع وأراد اسم المفعول منقوع .
4- الفاعلية : في مثل قوله تعالى : ((أنه كان وعده مأتيّا)) , جعل الوعد مأتيّاً والمعروف أن الوعد آتٍ لا مأتي, فعلاقته فاعلية, لأنّه ذكر اسم المفعول (مأتي) وأراد اسم الفاعل (آتٍ) .
5- المصدريّة : في مثل قول أبي فراس الحمداني :
سيذكرني قومي إذا جدّ جِدّهُمْ وفي الليلة الظلماءِ يُفتقدُ البدرُ
أسندَ الشاعر فعل (جدَّ) إلى مصدره (الجدّ), وهو إسناد غير حقيقي, لأنَّ الحقيقة تقتضي إلى إسناد الفعل إلى فاعله.
المجاز اللغوي : هو استخدام الكلمة أو التركيب في غير ما وضع له في الحقيقة لعلاقة مع قرينة , ويقسم إلى علاقات خارج إطار المشابهة (المجاز المرسل), وعلاقات مشابهة (الاستعارة) .
المجاز المرسل : وهو استخدام الكلمة في غير ما وضعت له في الحقيقة لعلاقة غير علاقة المشابهة .
علاقات المجاز المرسل :
1- العلاقة السببية : وهي أن يذكر السبب ويراد المسبب, قال الشاعر :
له أيادٍ عليَّ سابغةٌ أعدّ منها ولا أعددها
في كلمة أيادٍ مجاز مرسل علاقته السببية, ذكر الشاعر المسبّب وأراد المسبّب عنه وهو الفضل.
2- العلاقة المسبّبية : وهو أن يذكر المسبّب ويراد السبب, قال تعالى : (( وينزل لكم من السماء رزقاً )) , تجد أنّ المجاز في رزقاً لأن ما ينزل من الماء هو المطر الذي يسبب الرزق .
3- علاقة اعتبار ما كان : وهو أن يذكر الشيء باسم ما كان عليه في الماضي, قال تعالى :"إنّه من يأتي ربه مجرماً فإنّ له جهنّم لا يموت فيها ولا يحيى" , فالمجاز في مجرماً, ومعلوم أنّه كان مجرماً في حياته الدنيا لأنّ الإجرام والفساد والكفر والتقى والإيمان والتوحيد كل هذه الأعمال يزرعها المرء في دنياه ليحصدها في آخرته, إذ الدنيا هي المزرعة والآخرة هي دار الثواب أو العقاب, فذكر مجرماً باعتبار ما كان عليه في الماضي (في الدنيا) .
4- علاقة اعتبار ما سيكون : وهو أن يذكر الشيء باسم ما يصير إليه مستقبلاً, قال تعالى : " وقال نوحٌ ربِّ لا تذر على الأرض من الكافرين دَيَّارا * إنّكَ إنْ تَذَرهُمْ يُضِلُّوا عبادك ولا يَلِدوا إلّا فاجراً كَفَّارا" , المجاز في (فاجرا)وفي(كفَّارا) لأنّ المولود حينما يولد لا يكون فاجراً ولا كفّارا, ولكنه قد يصير كذلك عندما يكبر في هذه البيئة بيئة الكافرين.
5- العلاقة الجزئية : وهي أن يذكر الجزء ويراد الكل, قال الشاعر :
أعلّمه الرماية كل يوم فلمّا اشتدّ ساعده رماني
وكم علّمته نظم القوافي فلمّا قال قافيةً هجاني
المجاز في قافية, والقافية في القصيدة جزء منها , فذكر الجزء, وأراد القصيدة كلها .
6- العلاقة الكليّة : وهي أن يذكر الكلّ ويراد الجزء, قال تعالى على لسان نوح عليه السلام : (( وإنّي كُلّما دَعَوتُهُم لتغفر لهُم جعَلوا أصابعهم في آذانهم واسْتَغْشَوا ثيابَهُمْ وأصرّوا واستكبروا استكبارا)), المجاز في أصابعهم ذُكِرَ الكلّ وأريدَ الجزء أي رؤوس الأصابع, إذ لا يمكن أن يضع هؤلاء أصابعهم كلها في آذانهم, والمراد هنا المبالغة وأنهم لا يريدون أن يسمعون البتة.
7- العلاقة الآلية : وهي أن يذكر آلة الشيء ويراد أثرها, قال تعالى : " قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلّهم يشهدون " , أي على مرأى منهم , فالأعين آلة الرؤية .
8- العلاقة الحالية : وهو أن يذكر الحال ويراد المحل, قال تعالى : "وأمّا الذين ابيضّتْ وجوهُهُم ففي رحمةِ الله هم فيها خالدون" , نلاحظ أنّ المجاز في (رحمة) وهي أمرٌ حالٌّ في الجنة .
9- العلاقة المحليّة : وهو أن يذكر المحل ويراد الحال به , قال تعالى : " فَلْيَدْعُ نادِيَه * سَنَدَعُ الزَّبانية " فالمجاز في (ناديه) لأنّ النادي محل الاجتماع والحال به العشيرة والأنصار .
قال الشاعر : بلادي وإن جارت عليَّ عزيزةٌ وأهلي وإن ضنّوا عليَّ كرامُ
فالمجاز في ( بلادي ) وأراد الحل به وهو الأهل .
10- العلاقة المجاورة : وهي أن يذكر الشيء ويراد ما يجاوره , قال الشاعر :
فشككتُ بالرمحِ الأصمّ ثيابهُ ليسَ الكريمُ على القنا بمحرّمِ
فالمجاز في ثيابه والمراد جسمه, عبَّر بالثياب لمجاورتها القلب والجسم .
تدريبات حول بحث المجاز
س : دلّ على المجاز المرسل فيما يلي واذكر علاقته .
1- ((يجعلون أصابعَهم في آذانهم من الصواعقِ حذرَ الموت ))
- علاقة كلّية , ذكر الأصابع وأراد الجزء.
2- ولكم بعثنا الجيشَ جــــــــــــــراراً وأرســـلنا العيونـــا
- علاقة جزئية , ذكر الجزء ( العيونا ) وأراد الكل . العين جزء من الجسم .
3- وإذا النساءُ نشأنَ في أميةٍ رضعَ الرجالُ جهالةً وخمولا
- (أمية) علاقة محليّة , ( رضع الرجال) أي أن الطفل يصبح رجلاً , علاقة اعتبار ما سوف يكون . جهالة وخمولا (استعارة مكنية).
4- وليست أيادي الناس عندي غنيمةً وربّ يدٍ عندي أشدّ من الأسرِ
(أيادي) علاقة سببية, (يد) علاقة جزئية.
5- إنّ العدو وإن تقادمَ عهده فالحقدُ باقٍ في الصدور مغيّبُ
- (باقٍ) علاقة مفعولية من علاقات المجاز العقلي , (الصدور) علاقة جزئية مجاز مرسل .
6- (( إنّي أراني أعصرُ خمرا)) . خمرا : علاقة مسببية .
7- نُبِئتُ أنَّ النارَ بعدكَ أوقدتْ واستبَّ بعدكَ ياكليبُ المجلسُ
- علاقة محليّة ( المجلس ) المقصود ليس المكان وغنما القوم الذين يشغلون المجلس أو المكان .
8- فامضِ لا تمنن عليَّ يداً منُّكَ المعروف من كدره
- (يداً) علاقة سببية , (منُّكَ المعروف) علاقة سببية .
9- ولم تلهني دار ولا رسمُ منزلٍ ولم يتطرّبني بنانٌ مخضّبُ
- (دار) علاقة محلّية , (بنان) علاقة جزئية .
10- أحسِن إلى الناس تستعبد قلوبهم إذ طالما استعبدَ الإحسانُ إنسانا
- (تستعبد قلوبهم) علاقة جزئية .
11- ((والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصنَ بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشراً)).
- علاقة اعتبار ما سيكون .
12- ((إنّ الذينَ يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنّما يأكلونَ في بطونهم ناراً )) .
علاقة مسبّبية .
13- وكنتَ إذا كفٌ أتتكَ عديمةٌ ترجّى نوالاً من سحابك بُلّتِ
- ( كف) علاقة جزئية . سحابك : استعارة تشبيهية تصريحية . بُلّت : استعارة مكنية.