مايكل لوفغرين، صديق قديم تقاعد مؤخراً بعد عمل طويل في تحليل ميزانية الأمن القومي لمجلسي النواب و الشيوخ، نشر مقالاً رائعاً في Huffington Post فيها اعترف أنه بعد عقود من صرف النظر عن التقارير المفزعة حول إيران من قبل مثيري الحرب ، أصبح فجأة أكثر قلقاً من هجوم محتمل على إيران.
كتب لوفغرين: (خلال موسم الحملة الرئاسية، تجلت من جانب المحافظين أكثر سياسات مثيري الحرب سمية، سياسات تجعل بوش يبدو إنسانا سلميا. من جهته، كان الرئيس أوباما يحاول تقسيم الأرض بين المحافظين، القاعدة الديمقراطية التي هي على الأغلب معادية للحرب ولكنها غير فعالة سياسيا، إسرائيل، الصناعة العسكرية وعدد أصوات الناخبين.)
و حذر لوفغرين أنه في (حالة الولايات المتحدة و إيران، حيث يتكرر خليج تونكين في مضيق هرمز، تشكل هذه العوامل شراباً ساماً جداً لدرجة يعتقد فيها المرء أن حتى أكثر صقور الدولة المحاربة سيتمهلون قبل شربه).
و لكن ماذا لو كانت سوريه نفسها هي خليج تونكين عوضاً عن لعبة القط و الفأر حول مضيق هرمز؟؟ دعونا نناقش بعض النقاط:
أولاً: معظم القصص عن الأعمال الوحشية يتم طبخها لأجل تدخل عسكري غربي. و مجموعات حقوق إنسان، مثل “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، هي المصدر الوحيد للمعلومات عن أحداث تدور على الأراضي السورية. رغم أن مقر المرصد في لندن، و لا يملك معلومات اتصال، و لا عنوان لشارع، أو عنوان بريدي و لا قائمة بالمسؤولين و العاملين به. و الشخص الوحيد المسؤول هو رامي عبد الرحمن، و هو في الواقع ليس شخصية حقيقية، كما تعترف المنظمة، بل اسم مستعار يستخدم من قبل كل أعضاء المرصد (يمكن للقراء الإطلاع جيداً على موقعهم الالكتروني و تقرير إن كان بالإمكان شن حرب أميركية على سوريه بناءً على مصداقية هذه المنظمة التي توفر قصصاً عن “الوحشية” في سورية). الذكر الوحيد الآخر لشخص حقيقي مرتبط بهذه المنظمة هو تلك الصورة التي يقول عنوانها: (رامي عبد الرحمن، رئيس المرصد السوري لحقوق الإنسان، يغادر مكتب الخارجية و الكومنولث بعد اللقاء بوزير الخارجية البريطاني، وليام هوغ، وسط لندن 21 تشرين الثاني 2011). (الشكر لمدونة Land Destroyer التي أشارت أول مرة إلى التعاون الملفت للنظر بين المعارضة السورية و حكومة المملكة المتحدة).
هذه المنظمة هي تقريبا المصدر الحصري للقصص الفظيعة حول سوريه، مثل قصة مقتل ثمانية عشر طفلا خديجا في حمص على يد القوات الحكومية، و التي نشرت قبل أسبوع في صحيفة الاندبندنت البريطانية و ذكرت في آب الماضي في ال CNN. إذ يتم طبخ التقارير الداعمة لحملة البروبوغندا الداعية إلى الحرب في المرصد السوري لحقوق الإنسان و بكل خضوع يتم توسيعها من قبل وسائل إعلامنا المتواطئة.
أعتقد ما من قصة تدعو إلى الذهاب للحرب كتلك التي تتحدث عن مقتل أطفال في الحاضنة. و من يستطع أن ينسى الطفلة الكويتية ذات الخمسة عشر عاما، التي كنا نعرفها فقط باسمها الأول نيره، و التي أخبرتنا القصص الرهيبة عن قسوة صدام حسين إذ قالت: (عندما كنت هناك، شاهدت جنودا عراقيين قادمين الى المشفى مع أسلحة، ذهبوا الى غرفة الحاضنات، أبعدوا الأطفال عن الأجهزة و أخذوها ليتركوا الأطفال على الأرض الباردة حتى الموت).
و كما نعلم الآن ، تبين أنها ابنة السفير الكويتي و قد طبخت القصة في مؤسسة العلاقات العامة العالمية (هيل و نولتون) و مقرها الولايات المتحدة و بالتواطؤ مع الجمهوري الأميركي السابق المولع بالحرب توم لانتوس.
و كذلك كان المرصد السوري لحقوق الإنسان مصدراً للقصص عن مقتل المئات في حمص، و ذلك في اليوم السابق للتصويت في مجلس الأمن من قبل الولايات المتحدة و فرنسا و بريطانيا لأجل التغيير الحكومي في سوريه. و من السخف تصور أن الحكومة السورية فقدت صوابها بحيث تقوم بهذا قبل يوم من قرار “محررو” ليبيا من الأمم المتحدة و الناتو المتعلق بالقيام بالغزو العسكري أو لا. غير أن هذا الأمر لم يدركه معظم المراقبين الذين يرون ما يريدون رؤيته. و لهذا و بعد يوم واحد فقط تبين أن المئات ليسوا سوى عشرات و أنهم من قوات الأمن السورية المقتولين على يد ما يوصفون بالعزل المطالبين بالديمقراطية، غير أن أحدا لم يلحظ هذا. فالقصص تلفق، و بغض النظر عمن يقوم بقتل من، فان الحكومة السورية، و حسب قول هيلاري كلينتون، هي دائما من يقتل محتجين سلميين.
والآن تحذر آلة بروبوغندا المعارضة من أن الأسد ربما يفكر باستخدام الأسلحة الكيماوية في حمص! أولاً الأطفال ثم هذا.
والتفجيرات التي طالت إدارة الأمن العسكري في حلب تبعت أعمالا من نفس النمط استهدفت قوات أمن سوريه و أودت في سياقها بحياة العشرات من المدنيين. وثانية قامت مجموعات المعارضة السورية، أي المرصد السوري لحقوق الإنسان، بالزعم أن الأسد هو من يفجر قواته العسكرية و الإستخباراتية. و الأشخاص العاقلون قد يحكمون بأنفسهم فيما إذا كان هناك قائد يحاول تهدئة العصيان المسلح في بلده و يبدأ بقصف قواته المسلحة. و للأسف، ألقيت العقلانية من النافذة وسط الاندفاع المسعور للتغيير الحكومي.
ثانياً: مأزق الوقوع في شرك البروبوغندا. و الروس و الصينيون (الذين ثبتت صحة شكوكهم حول ليبيا و لذلك استخدموا حق الفيتو في مجلس الأمن ضد قرار التغيير الحكومي في سوريه) قد تضاعفت شكوكهم فيما يتعلق بسوريه، و بعد أن ثبت أنهم كانوا محقين بشأن ليبيا فان عليهم رفع درجة الحذر هذه المرة. و لهذا السبب عندما يصف شخص مثل وزير الخارجية الروسي سيرجيه لافروف الدفع تجاه قرار مجلس الأمن ضد سورية ب “الهيستيري” و “البذيء” فان على العالم أن ينصت. لقد حث الروس على أن يدعو أي قرار إلى إنهاء العنف من جانب الحكومة و المتمردين المتمركزين في تركيا و المسلحين من قبل قطر و الغرب. و تجاهل الداعون إلى التغيير الحكومي من الولايات المتحدة، بريطانيا، الناتو و مجلس التعاون الخليجي إصرار الروس على وقف إطلاق النيران من الطرفين لا من طرف الحكومة وحدها .
ثالثاً: القوات العسكرية الغربية و الخدمات السرية في الجوار. و يجب أن نأخذ بعين الاعتبار التقارير حول جنود القوات الخاصة القطرية و البريطانية العاملة في سوريه (و بلا شك إلى جانب نظرائهم من الولايات المتحدة). و السبب الذي يدعوك إلى تصديق هذه التقارير هو نفيها من قبل الحكومة البريطانية.
رابعاً: هل تخلت إيران عن سورية ؟ سمعنا تقارير من (روسيا اليوم) تقول بأن إيران قد أرسلت حوالي خمسة عشر ألف من القوات الخاصة إلى سوريه لمساعدة الحكومة في مواجهة هجمات المتمردين.
خامساً و أخيراً: لماذا يتم تجهيز سوريه كهدف ثان ؟ تقوم الولايات المتحدة بمراجعة الخيارات العسكرية ضد الحكومة السورية. و القواعد الأميركية تحيط بإيران بكل معنى الكلمة، و قد تقوم الأخيرة بتقديم مساعدة عسكريه لحليفتها سوريه.و إسرائيل تتوق لمهاجمة إيران، و لكن الخوف يكمن من المضي وحدها. و عندما تبدأ الولايات المتحدة هجوما عسكريا ضد سوريه ماذا ستكون نتيجة هجوم إيراني محتمل على قوات الولايات المتحدة في سوريه أو الجوار؟ ماذا سيكون رد الولايات المتحدة إذا أخذنا بعين الاعتبار (مشروب تأييد الحرب السام) الذي قال مايك لوفغرين بأنه يؤخذ على جرعات في واشنطن؟ ألا يبدو الأمر قليلا و كأن تونكين في دمشق؟
زين العابدين موسى