المدخل : بين الحضارة والهمجية .
في أغلب الحروب التي خاضها البشر فيما بينهم ، كان القتل والقتال يدور بين الرجال القادرين على حمل السلاح ومن مختلف الأعمار ، ومن هنا نشأت فكرة ميدان المعركة حيث يتم تحشيد القوى في أرض معينة بعيدا عن المناطق السكنية ، فتخرج كل جهة بمقاتليها وعتادها ، حيث تدور رحى الحرب على هذه الساحة ، وكانت جميع الحروب التي تُشن تستثني الأطفال والشيوخ والنساء والضعفاء من الناس ، وحتى عند أشد الأمم تأخرا كالعصور الحجرية ، والأمم الوثنية فإننا نرى هؤلاء يقتلون الرجال المقاتلين ، ويأخذون البقية سبايا .
إلا ما شاهدناه وقرأناه في كتب اليهود والنصارى من دعم ديني فاضح وصريح ، يأمر بقتل النساء والأطفال والشيوخ والحيوان وكل شيء يدب على هذه الأرض ، حيث يقرء أتباع هاتين الديانتين نصوصا موحى بها من الله ـ على حد زعمهم ـ تأمرهم بالإبادة التامة لجميع البشر ، وبدون رحمة أو تمييز ، حتى أن القارئ لهذه النصوص ، يخال أن رب هذا الكتاب يخلو قلبه من أي رحمة تجاه خلقة والعياذ بالله ، ولكنهم اليهود والنصارى من الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ويشترون بآيات الله ثمنا قليلا .
فالتوراة تأمر أتباعها بأن يقتلوا للهلاك فقط (( لا تشفق أعينكم ولا تعفوا ؟ الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء اقتلوا للهلاك . واملئوا الدور قتلى )) . حزقيال 9 : 5 ـ 7 0
وأما النصارى فعلى حد زعمهم أن السيد المسيح ، قال لهم : (( ما جئت لألقي سلاما بل سيفا )) . إنجيل متى الإصحاح 10 : 34 وأمر كل من لا يحمل سيفا بأن : (( يبع ثوبه ويشتر سيفا )) . لوقا 22 : 36
وهذه الحروب الصليبية خير شاهد على ذلك ، ولربما يكون وصف البعض ممن عاصروا هذه المجازر خير شاهد على ذلك أما (( غوستاف لوبون )) المؤرخ الفرنسي الشهير، فقد كتب يقول : (( أن قبائح المجاهدين الصليبيين وسلوكهم في كل هذه الحالات ، قد جعلتهم حقا في عداد أفتك وحوش الأرض وأشدهم حمقا ، فقد كان سلوكهم على وتيرة واحدة تماما مع المعاهدين معهم وأعدائهم والرعايا الأبرياء والمقاتلين والنساء والأطفال والشيوخ والشباب ! أي كانوا ينهبونهم جميعا ويقتلونهم بلا أي تفريق )) . الإسلام في وجه التغريب ، أنور الجندي ، ص 206 طبع القاهرة الأولى.
و ينقل لنا الراهب (( روبرت )) الذي كان حاضرا بشخصه في هذه الوقائع يقول : (( إن جيشنا كان يتحرك في الطرق والميادين والسطوح ، وكان كاللبوة إذا قتل شبلها يلتذ من المجازر العامة ، كان يمزق الأطفال قطعة قطعة ، ويقتل الشيخ والشاب في صف واحد ، ويشنق عدة أفراد بحبل واحد لا لشئ إلا للتسريع في العمل . كان جيشنا ينهب كل ما يجد في طريقه ، ويشق بطون الموتى ليستخرجوا من بطونهم النقود والمجوهرات .
وذات مرة أحضر أحد أمراء العسكر (( بو آمون )) كل من اجتمع في القصر ! فقتل النساء والرجال والشيوخ والعجزة والعملة الأبرياء ، وبعث بالشباب للبيع بإنطاكية )) . جولة في حياة الشهيد مطهري ، ص 316 طبع بيروت الأولى 1412- 1992 .
وكتب قائد هذا الجيش الدموي (( جود آدوبويون )) في تقرير له إلى ا لبابا : إذا أردتم أن تعلموا ما ذا عملنا بالأعداء ( المسلمين ) الذين وقعوا بأيدينا في بيت المقدس فيكفيكم أن تعلموا أن أفرادنا كانوا يحملون عليهم في معبد سليمان ورواقه في لجة من الدماء ، وكان الدم يبلغ ركبة الفرس .
ولما جاء الإسلام مصححا لما حُرف من هذه الرسالات ، مداويا لجروح الأمم التي أصابتها الويلات على أيدي هؤلاء ، ومبينا الأحكام الصحيحة التي يجب إتباعها في التعامل مع ضحايا الحروب ، دان الناس لها وتمسكوا بها ، وعملوا بها ، ودخل الناس في دين الله أفواجا يدفعهم الإيمان بعدالة الإسلام ، الذي يأمرهم بعدم قتل الصبي الصغير أو الشيخ الفاني أو المرأة ، وعدم نهب ما أقفلت عليه البيوت ، ورفع شعاره الخالد أن من دخل بيته فهو آمن ، ومن ألقى سلاحه فهو في أمان ، ومن لم يقاتل أو يعن على قتال فليس للمسلمين عليه سبيل ، وأن لا يقطع المسلمون المقاتلون الشجر ولا يقتلوا الحيوان ، ومنع الإسلام المثلة حتى بالكلب العقور ، وعندما طلب بعض الصحابة من الرسول أن ينزع كليتا من وقع أسيرا بيده لأنه كان كثير الأذى للمسلمين ، أبى النبي (ص) أن تنزع كليتا (سهيل بن عمر ) وكان جوابه لمن طلب منه ذلك أن قال له : ( لا أمثل به فيمثل الله بي وان كنت نبيا ) . أسرى الحرب عبر التاريخ ، عبد الكريم فرحان ، طبع بيروت الأولى 1979 م .
فكان حتى في احلك ساعات الحرب يوصي أمراء جنده أن لا يقتلوا إلا من يقاتلهم ، ولا يتبعوا مدبرا ، ولا يجهزوا على جريح ، وكان ينهاهم عن التشفي وطلب الثأر في الحرب والانتقام ، وكان ينهاهم عن قتل النساء والأطفال ، وقد مرّ على امرأة مقتولة في غزوة حنين فقال : من قتلها ؟ قالوا خالد بن الوليد ، فقال لبعض أصحابه أدرك خالدا فقل له أن ، رسول الله ينهاك أن تقتل امرأة أو وليدا أو أجيرا .
وكان (ص) يقول لأصحابه : تألفوا الناس وتأنوهم . ولا تغيروا عليهم حتى تدعوهم ، فما على وجه الأرض من أهل بيت مدر ولا وبر إلا تأتوني بهم مسلمين أحب إليَّ من أن تأتوني بنسائهم وأولادهم وتقتلوا رجالهم .
كان (ص) بعد الفراغ من كل معركة يخوضها بأمر بدفن القتلى مسلما كان أو كافرا ، وهذه معارك بدر وغيرها من المعارك شاهد على ما ندعيه حيث دفن القتلى من الجانبين .
فهل التزم المسلمون بهذه التعاليم السمحاء ؟ التي لو التزموا بها لأكلوا من فوق رؤوسهم ومن تحت أرجلهم .
نحن هنا لا نناقش مسألة التزام المسلمين بتعاليم الإسلام أو عدم التزامهم ، فقد أخبر النبي (ص) بأن الناس سيرجعون بعده كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض ، وأنهم سيُحدثون بعده ، وأنهم سيتّبعون سنن من قبلهم حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلوا وراءهم .
ولكننا هنا سنناقش العادات والتقاليد العربية الموروثة والتي كان العرب يتفاخرون بها والتي ميزتهم عن بقية جيرانهم من الأمم المتحضرة ، فالكرم ، والشجاعة والنخوة ، والنجدة ، والعفو عن الضعيف ، وغيرها من الصفات النبيلة التي كان يتصف بها العربي ويعتبرها أشياء ملازمة له .
وجاء الإسلام فارتقى بالعربي إلى المراتب العليا ، وأضاف إلى ملكاته ما جعله مؤهلا لقيادة الأمم التي كانت متحضرة ، في الوقت الذي كان العربي يعيش حياة البداوة قبل الإسلام (1). ولكن هذا العربي الذي اعتنق الإسلام ، تخلى حتى عن عاداته وتقاليده بعد أن رأى بريق الذهب ، واستراح على كرسي الحكم (( فالملك عقيم )) باع الكثير منهم ليس التقاليد فحسب بل حتى الإسلام الذي أصبح وسيلة تمكنه من الوصول إلى غاياته .
فأصبح هناك مبشرون بالجنة مهما عملوا من جرائم ، وأصبح هناك كتبة للوحي وهم لم يروا الوحي ولم يؤمنوا بالوحي وحاربوا صاحب الوحي. وأصبح الكل بقدرة قادرة كلهم عدولا أكتعين أجمعين بأيهم اقتدينا اهتدينا حتى باللعناء والطرداء والبعداء والطلقاء . ((افنجعل المجرمين كالمؤمنين مالكم كيف تحكمون ))
وأصبح هناك صدّيقا للأمة ، وهو أول من خان النبي وخان ابنته وصادر منها نحلتها .
وهناك أمينا للأمة ، وهو أول من غشها وحول مجري خلافتها عن مسارها .
وهناك فاروق الأمة الذي يُفرق بين الحق والباطل ، وهو لم يفرق بين الكلالة وبين ميراث الجد .
على أيدي أمثال هذه الحثالات تخرجت قيادات تقود الإسلام والمسلمين وتفتح الأمصار باسم الإسلام وما الإسلام غايتهم بقدر الغنائم هؤلاء هم قتلة علي والحسن والحسين وسائر الطاهرين من أصحاب وتابعين . فلا يستغرب الإنسان عندما يرى في المسلمين من يدّعي الإسلام ولكنه أضر على الإسلام من أعداء الإسلام .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- - خير وصف للعرب قبل الإسلام ما وصفتهم به الزهراء سلام الله عليها في خطبتها وجها لوجه معهم في مسجد أبيها ،حيث قالت :((وكنتم على شفا حفرة من النار مذقة الشارب ونهزة الطامع وقبسة العجلان وموطئ الأقدام تشربون الطرق وتقتاتون القد أذلة خاسئين تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد ص)) .