الأخوة الكرام
أتمنى أن يكون إنضمامي إليكم مفيدا
وأتمنى أن تقبلوا مني هذه القصة كبداية وهي بعنوان ( حصار ) ألقيتها في أمسيات عديدة
منها أمسية فرع اتحاد كتاب العرب في ادلب
وأمسية في مركز ثقافي بنش
وأمسية في مدينة رأس العين في الحسكة
وأمسية في مركز ثقافي الفوعة
حصار
حصار مرير يلف المدينة القابعة عند أطراف النهر الظامئ لتاريخ يعيد مجد أمة يعرب وينسج حضارة جديدة للشرق المتألم .
كان سكان المدينة يغطون في نوم عميق يفترشون ذلهم ويلتحفون هوانهم والموت البارد يحيط بهم من كل جانب .
تسلل رجل حكيم يمتلك الكثير من الحب والحنان نحو المدينة مخترقا الحصار حاملا معه قضيبا و حقيبة فيها بعض العقاقير الطبية والأعشاب البرية وأنفاسا تعبق برائحة عطر يعشش في زوايا الحصار وأشياء أخرى
اجتاز الشوارع والساحات يبحث في الأمكنة عن الأزمنة لعله يلمح تاريخا مستيقظا يحمي المدينة المنكوبة التي نسيت بدايتها كما نسيت نهايتها يصطدم بالناس دون أن يدري به أحد أو يلحظه أحد.
لفت انتباهه بناء ضخم قرأ لا فتته ( قصر العدل ) تأمل الميزان المتأرجح تتلاعب به الرياح فتأخذه تارة يمينا وتارة يسارا دون أن تتساوى كفتاه ولو لمرة واحدة
دخل القصر وصعد إلى الميزان حاول أن يثبته بقضيبه لكن دون جدوى ..كانت الرياح تزمجر غاضبة ... أخذت القضيب من يده ورمت به إلى الأسفل
نزل يبحث عن قضيبه فوجده قد انكسر ... سقطت دمعة من عينه قبل أن يتابع سيره
وجد نفسه أمام بناء فخم تجمدت الأبهة فوق أرجائه ( إنه مجلس المدينة )
دخله فوجد أعضاءه المتخمون يغطون في نوم عميق ...وافواههم مفتوحة وقد اهترأت عقولهم من صدأ التفكير بكيفية الحصول على مايملأ بطونهم من ملذات الحياة الدنيوية
فنح حقيبته أخرج زجاجة دواء مزيل للصدأ... وضع في فم كل واحد منهم ما يكفي ليزيل صدأ سنين متراكم منذ ألاف السنين
لكن المفاجأة كانت أن الدواء في الزجاجة تحول إلى صدأ وكاد يتسرب نحوه .. رمى بالزجاجة وخرج مسرعا يبحث عن مكان فيه أمل يرجى
وجد بيتا أكله البلاء من كل جانب .. ولجه مترددا...فرأى فيه امرأة مريضة أنهكها التعب من كل جهاتها... و زوجها وبنتان وصبي كل منهم يتكئ على الآخر .. يلتفون حولها واجمين قانطين من أي رحمة تنزل بهم
أخرج من حقيبته الأعشاب وأطلق لأنفاسه العنان واستخدم كل براعته ليصنع شرابا للمريضة لعله ينشطها ويحيي الأمل في نفوس أسرتها ... لكن الشراب رفض أن يمس شفاه المريضة وانسكب على الأرض قانطا
رمى الحكيم بالأعشاب وخرج من البيت يهيم على وجهه في المدينة .
نادته لافتة تتسكع في واجهة بناء قديم كتب عليها ( متحف المدينة )
دخل إليه دون أن يدري... شعر بالرطوبة تتغلغل في مسامات جسده وبرائحة العفونة تأكل حاسة الشم لديه؟.
كل شيء بالمتحف باهت لونه... تحيط به هالة من النسيان والإهمال
حتى الوثائق رآها مكومة في زاوية مهملة وقد ألقيت فوقها رزمة من الشعارات
التي تخنقها تفوح منها رائحة نشادر معتقة
أحس بالاختناق فرمى بالحقيبة الفارغة بجانب الوثائق وخرج مسرعا
يريد التسلل خارج المدينة .
لكنه فوجئ بقدميه تجرانه إلى مقبرة المدينة .وفي الطريق رمى أشياءه الأخرى .
يا إلهي ما هذا ؟
أهو احتفال ؟
كانت الأضواء تنبعث من كافة أرجاء المقبرة وقد علقت الزينة فوق القبور
سمع ترنيمة هادئة .ساحرة.. يترنم بها صوت ملائكي عذب .. تنادي روحه الحزينة ...تنبعث من قبر مفتوح ..نظر داخل القبر ...وجد طفلة جميلة بريئة تمسك بيدها مشعلا صغيرا وعند قدميها تاج مرصع بأنفس الجواهر نزل إلى القبر أخذ التاج ووضعه على رأس الفتاة ثم حملها بين ذراعيه وركض عائدا إلى المدينة
شعر أن هناك من يركض وراءه التفت فرأى عددا من الأطفال يلحقون به ترك الفتاة تنساب من بين يديه وتقف وسط الأطفال ثم سار أمامهم إلى المدينة .
ارتفع الآذان في المساجد وقرعت أجراس الكنائس .
وأخذت الفتاة تشدو في أرجاء المدينة ترنيماتها بصوتها العذب والساحر .
لعل أهل المدينة يستيقظون من سباتهم العميق وينهضون لإنقاذ مدينتهم البائسة .
مريم محمود العلي