الأسلوب القرآني الحكيم :
لم يكن من أسلوب القرآن الحكيم أن يذكر أسماء من كان يتحدث عنهم أو نزلت الآية بسببهم لا في جانب المدح والثناء ولا في جانب الذم والتقريع، فكان القرآن الكريم حكيماً إلى أبعد حد حيث لم يذكر أسماء الكافرين أو المشركين أو المنافقين أو الظالمين أو الأولياء إلا نادراً حتى في الأمم الماضية .
أما في هذه الأمة ففي حالة المدح والثناء لم يذكر بالاسم إلا رسول الله صلى الله عليه وآله [5] وفي جانب الذم ذكر أبا لهب بكنيته وامرأته حمالة الحطب .
وهذا الأسلوب الحكيم قد استعمله الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله طيلة حياته إلى حد كبير ولم يصرح بالأسماء إلا نادراً خصوصاً في جانب الذم، وتبقى جملة كبيرة من الروايات التي نقلت لنا بعض الأسماء في مجالها الروائي الذي يخضع للتقييم والنفي والإثبات.
ومن بعده سار على هذا المنهج أئمتنا أئمة أهل البيت عليهم السلام طيلة حياتهم ، وسيرتهم حافلة بكثير من الأمثلة والشواهد ، وهذا السلوك هو من أفضل الأساليب العقلانية الحكيمة خصوصاً في طرح الأسماء التي تكون مورد النزاع في المدح أو الذم لدى الأمة . هذا كله إذا كان اللعن بعنوان الدعاء .
المشكلة :
وأما إذا كان اللعن بعنوان السب والشتم والتشفي من الآخرين كما هو المتعارف عليه عند الأطراف المتنازعة والمختلفة فكرياً وعقائدياً وطائفياً ومذهبياً وسياسياً وكل طرف يريد أن يتغلب على الطرف الآخر وإسقاطه ويستعمل اللعن كوسيلة من وسائل التغلب بل يستعمله كدليل من الأدلة القمعية الاستفزازية الجارحة المؤذية للطرف المخالف له ، فهذا ليس من القرآن في شيء .
وهذا ما تشهده الساحة الآن من التشنج الطائفي والمذهبي وكل طرف يكيل للطرف الآخر الصاع صاعين ؛ فبعض المتشددين المتعصبين الجهلة من الشيعة يقابل أهل السنة عموماً أو بعض رموزهم خصوصاً بمختلف الشتائم والسب والألفاظ القبيحة باسم اللعن الوارد في القرآن الكريم والسنة النبوية وروايات أهل البيت عليهم السلام ، وقد تصل الحالة إلى حد التكفير ، ولأن بعض التكفيريين من المحسوبين على السنة يقومون بالقتل الجماعي على الهوية ، فهذا ما لا يرتضيه القرآن الكريم والسنة النبوية وسيرة أهل البيت عليهم السلام بل هم براء من ذلك جملة وتفصيلا .
كما أن بعض المتعصبين والمتشددين الحاقدين ممن ينتسب إلى أهل السنة يستعمل نفس الأسلوب المتقدم وزيادة ويحكم بكفر الشيعة واستباحة دمائهم وأموالهم وقد سقط خلال اليومين الماضيين أكثر من 120 شهيداً في الحلة وعشرات الأشخاص في أماكن أخرى من العراق أكثرهم من النساء والأطفال والشيوخ لا لذنب اقترفوه سوى أنهم ذاهبون لزيارة ابن بنت رسول الله الإمام الحسين عليه السلام وتجديد العهد والولاء له بما قدم في سبيل الله من تضحية .
إن هذا العمل الإجرامي الذي قام به التكفيريون لم يكن من القرآن الكريم أو السنة النبوية في شيء بل ولا ينسجم مع الضمير الإنساني.
ما هو الحل؟ :
إني أتصور وبكل تواضع أمام العلماء والمفكرين ومن يهمهم مصلحة الإسلام والمسلمين أن الحل:
1- أن يقوم العقلاء والعلماء والمفكرون من كل فريق فيما يخص مذهبهم وطائفتهم وينقدون ويكشفون ما فيه من سلبيات وعيوب وتجاوزات على الأطراف الأخرى ويضعون حداً لتلك السلبيات التي تصدر من الأفراد أو الجماعات من تلك الطائفة ، ويقدمون ذلك خدمة للأمة الإسلامية بدل التشهير والاتهام للأطراف الأخرى التي تخالفهم .
2- أن يقوم كل فريق بتنقية تراثه من الشوائب التي أدخلت عليه سواء ما كان فيه تحامل على المخالفين أم ما لم يكن.
وحسب خبرتي المتواضعة فإنه توجد مساحات واسعة لأهل السنة فيما لديهم من تراث فيه الكثير من التحامل على الشيعة وتكفيرهم والتحريض عليهم سببت في خلق أزمات وحروب لمئات السنين بينهم ، وكذلك الحال لدى الشيعة فتوجد مساحات واسعة في تراثهم لا تقل عن تلك المساحة عند أهل السنة في التحامل على أهل السنة والتحريض عليهم، وقد خلقت أزمات كبيرة وحروبا راح ضحيتها الكثير من الطرفين .
3- تحديد المجرم من كل فئة ومحاسبته خاصة دون تجريم وتحميل التبعات لكل الطائفة فلا يؤخذ البريء بذنب المجرم، كما قال عز وجل: { وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } (الأنعام:164) وقال تعالى : { وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } (الزمر:7) فلا بد من محاصرة الفئات التكفيرية من أي فئة كانت وتمييزها عن غيرها ولا يعمم فعلها على بقية أفراد الطائفة، فأهل السنة فئات متعددة وكذلك الشيعة فئات متعددة فلا يجوز تعميم فعل يصدر من فئة من السنة على جميع أهل السنة أو فعل يصدر من فئة من الفئات من الشيعة على جميع الشيعة.
4- إن القيام بهذا العمل ووضع حد لمثل هذه التجاوزات - التي لا يرضى بها دين سماوي ولا قانون وضعي ولا ضمير إنساني - وفضح الدسائس التي أدخلت على تراثنا وعلى تاريخنا ، لهو من أفضل القربات عند الله فهم بذلك يقدمون أعظم خدمة للإسلام والمسلمين وعزهم وكرامتهم.
إني ومنذ سنوات عديدة عملت على هذا النهج وحاولت :
1- أن أدرس منهج أئمة أهل البيت عليهم السلام وأن أستضيء بنور هداهم بما قالوه أو فعلوه أو حثوا عليه ودعوا أتباعهم إلى التمسك به .
2- وأن أكشف بعض ما ألصق بمدرستهم زوراً وبهتاناً والذي يتنافى مع القرآن الكريم ومعالي الأخلاق التي جبلوا عليها .
3- وأن أبرز نقاط القوة في سيرتهم وحرصهم على هذا الدين القويم والمحافظة عليه ، وعلى وحدة المسلمين، وأن أقدم في ذلك ما أتمكن عليه خدمة للإسلام والمسلمين .
4- تتبعت كثيراً من القضايا التي قد كانت متداولة لمئات من السنين وقد تكون مسلمة لدى البعض وأبرزت ما فيها من خلل وعيب .
5- حاولت أن أُفَعّل بعض الروايات التي كانت مقصية ، ومهمشة ومغيبة لفترة طويلة من الزمن لأسباب سياسية أو ذهنية دينية معينة وقد تكون صحيحة السند في نفسها وقد تكون هي الحل لمشاكل المجتمع في مثل هذه الروايات .