* دور الحكومة في التربية
حقاً إن الأنانية هي رأس جميع الخطايا؛ وسوف تبقى هذه الحروب والمفاسد والمظالم ما دامت هذه الأنانية موجودة لدى الإنسان. والسبب في أن الأنبياء أرادوا تحقيق الحكومة العادلة في الدنيا هو أن هذه الحكومة العادلة ـ ذات الأهداف الإلهية والأخلاق والقيم المعنوية ـ يمكنها فيما لو تحققت أن تكبح جماح المجتمع، وتصلحه إلى حد كبير.
مادامت الحكومات بيد الجبابرة والمنحرفين، وبيد الذين يرون القيم في آمالهم النفسية، ويعتبرون أن القيم الإنسانية تكمن في التسلط وفي الشهوات، فإن الإنسانية ستسير نحو الانحطاط.
لو تحققت آمال الأنبياء في دولة معينة ـ ولو بعضها ـ فإن تلك الدولة ستسير نحو الإصلاح.
* دور المعلم في التربية إن الذين يدفعون بدولة ما إلى الرقي أو الانحطاط يكونون أشخاصاً قليلين عادة؛ ويجب عليكم أن تنتبهوا إلى هذا المعنى، وهو أنه لو كانت تربيتكم تربية غير إسلامية ـ لا سمح الله ـ فإنكم ستشتركون معه في أي جريمة أو عمل يمارسه فيما بعد، ولو كانت تربيتكم إسلامية وقائمة على الفطرة، فإنكم ستشاركون في كل عمل حسنٍ يقوم به.
فالمعلم أمين ويختلف عن باقي الأمناء لأن أمانته هي الإنسان، ولو خان الإنسان في أية أمانة أخرى فإنه يرتكب ذنباً حتماً، ولكن كل ما في الأمر أنه فرّط بسجادة كانت أمانة عنده مثلاً، وهذا العمل لا يؤدي إلى حدوث شيء [مشكلة] في المجتمع، شخص قد سبب ضرراً وعليه أن يعوّض عن الضرر الذي سببه أيضاً. أما لو كان الإنسان هو الأمانة، الطفل المؤهل للتربية هو الأمانة، فإن الخيانة بهذه الأمانة ـ لا سمح الله ـ سوف ترونها في وقت خيانة بشعب، وخيانة بمجتمع، وخيانة بالإسلام.
لذا فإن هذا العمل ـ ورغم أنه شريف جداً وذو قيمة كبيرة لأنه عمل الأنبياء الذين جاؤوا لبناء الإنسان ـ ذو مسؤولية كبيرة جداً مثلما كانت مسؤولية الأنبياء كبيرة جداً.
يجب أن تلتفتوا جيداً إلى أنكم لستم أفراداً عاديين؛ فالذنب المرتكب في مجال التربية والتعليم يختلف كثيراً عن ذلك الذنب الذي يرتكبه شخص في دائرة معينة أو وزارة من الوزارات. وإن الذنب المرتكب في وزارة معينة لا يقضي على البلاد مثلاً إلا في حالات نادرة، أما لو تربى طفل في سلك التربية والتعليم تربية فاسدة، وتربى على أخلاق شيطانية واستكبارية، فإنه قد يدفع البلاد نحو الهاوية من خلال تربيته الشيطانية وأخلاقه الاستكبارية، ويدفع بعدد كبير من الناس إلى الفساد. لذا فإنكم ومن خلال عملكم العظيم هذا تشتركون معهم في جميع ذلك سواء في الحسنات أو السيئات؛ تشاركونهم بالجريمة أحياناً، وأحياناً بالنورانية التي أوجدتموها أنتم. فاحذروا كثيراً وانتبهوا لأنكم لستم إفراداً عاديين. إنكم معلمو جيل سيستلم مقدّرات البلاد في المستقبل. إنكم أمناء على مثل هذا الجيل، ويجب أن تمارسوا التربية إلى جانب التعليم. وهذه الوظيفة لا تقتصر على وظيفة معلم العلوم الدينية، بل هي وظيفة جميع المعلمين مهما كانت فروعهم، وجميع أساتذة الجامعة مهما كانت تخصصاتهم.
فكما أن معلم العلوم الدينية قد يؤدي إلى إحداث مشكلة وإفساد في البلاد من خلال اهتمامه فقط بالعلوم الدينية وعدم التوجه للأخلاق الدينية وبناء الطفل أو الشاب، كذلك الأمر بالنسبة لمعلمي غير العلوم الدينية في أي مجال كان فيه تعليم، إذ إنهم سيشتركون بالجرم والانحراف الذي أوجدوه في ذلك الفرع، وسيدفعون ببلادهم إلى الهاوية أيضاً.
إن عملكم أيها السادة ويا معلمي الدين هو التربية. يجب عليكم تعليم تلك المجموعة التي بيدكم، واعلموا أن التربية أهم من التعليم.
* التعليم عمل الأنبياء إن دور المعلم في المجتمع كدور الأنبياء، والأنبياء هم معلمو البشرية، إنه دور مهم وحساس للغاية، ومسؤولية ثقيلة؛ دور مهم لأنه هو نفس دور التربية والتي هي "اخراج من الظلمات إلى النور" أولئك الذين {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور} هذه هي سمة المعلم. وينسب الله تبارك وتعالى هذه السمة له، فهو ولي المؤمنين ويخرجهم من الظلمات إلى النور؛ فالمعلم الأول هو الله تبارك وتعالى الذي يُخرج الناس من الظلمات إلى النور، ويدعو الناس بواسطة الأنبياء وبواسطة الوحي إلى النورانية، والى الكمال، والى العشق، والى الحب، ويدعوهم إلى مراتب الكمالات التي هي للإنسان. ومن بعده الأنبياء الذين ينشرون تلك المدرسة الإلهية وعملهم هو التعليم أيضاً، إذ يعلمون البشرية؛ عملهم هو تربية الناس، وتربية الإنسان ليسمو عن مقام الحيوانية ويصل إلى مقام الإنسانية.
* دور الأم في التربية أنتنّ أيتها السيدات تملكن شرف الأمومة، فتسبقن الرجال بهذا الشرف، وتقع عليكن مسؤولية تربية الطفل في أحضانكن؛ فحضن الأم هو أول مدرسة للطفل. تربي الأم الصالحة طفلاً صالحاً، ولو كانت منحرفة ـ لا سمح الله ـ فسوف يخرج الطفل من حضنها منحرفاً، ولأن الطفل يرتبط بعلاقة خاصة بالأم لا مثيل لها، وينظر إليها على أنها تجسّد كل آماله، فإن كلام الأم وخُلقها وعملها يؤثر في الطفل. وبما أن حضن الأم هو الصف الأول للطفل فلو كان طاهراً ونزيهاً ومهذباً لنشأ الطفل منذ البداية ونما مع تلك الأخلاق الصحيحة ومع تهذيب النفس ذاك ومع ذلك العمل الجيد. عندما يكون الطفل في حضن أمه ويشاهد خلقها الجميل، وعملها الصحيح، وقولها الحسن، فإنه سيتربى منذ تلك اللحظة في أعماله وأقواله تقليداً لأمه، والذي هو أعمق من أي تقليد آخر، وتوجيهاً منها والذي هو أكثر تأثيراً من أي توجيه آخر. أنتن لكنّ هذه المسؤولية العظيمة، ويجب عليكنّ أن تهتممن بأطفالكن الصغار الذين لهم نفوس تجعلهم يقبلون الأمور بسرعة، ويقبلون التربية بسرعة، ويقبلون الصالح والطالح بسرعة، فأنتن المسؤول الأول عن أطفالكنّ. كما أنه لو ربيتنّ طفلاً تربية صالحة فقد يحقق سعادة شعب بأكمله، فإنه إذا تربى طفل ـ لا سمح الله ـ تربية فاسدة في أحضانكنّ فقد يؤدي إلى حدوث فساد في المجتمع.
لا تظنّن أنه طفل، فقد يصبح هذا الطفل في يوم ما على رأس المجتمع، ومن المحتمل أن يجرّ ذلك المجتمع إلى الفساد؛ إذ إن فساده لا يقتصر على نهب ذخائرنا، ولا يقتصر على تقديم بلادنا إلى الآخرين، وتقديم كل ما لدينا إليهم، بل الأكثر من ذلك هو أنه يفسد فئات عديدة في هذه البلاد.
* حضن الأم مدرسة جاء الأنبياء لبناء الإنسان. والأنبياء مكلّفون ليجعلوا من الأشخاص ـ الذين هم بشر ولا يختلفون عن الحيوانات ـ إنساناً، ويزكّوهم . وهذا هو شغل الأنبياء، ويجب أن يكون هذا هو شغل الأمهات إزاء الأطفال في أحضانهنّ، وأن يزكينهم من خلال أعمالهنّ.
يتربى الطفل في حضن أمه أفضل من المعلم، وإن علاقة الطفل بأمه لا تضاهيها أية علاقة، وإن ما يسمعه من أمه في صغره ينقش في قلبه، ويبقى معه حتى النهاية.
يجب على الأمهات أن يلتفتن إلى هذا المعنى فيربين الأطفال تربية صحيحة ونزيهة، ولتكن أحضانهن مدرسة علمية وإيمانية، وهذا شيء عظيم جداً لا يستطيع أحد أن يقوم به سوى الأمهات. ويتقبل الطفل من الأم أكثر مما يتقبله من الأب، وتؤثر أخلاق الأم في طفلها الصغير، ويتأثر بها أكثر من الآخرين.
فالأمهات أساس الخيرات، وسوف يكنّ ـ لا سمح الله ـ أساس الشرّ فيما لو ربّين أطفالهنّ تربية سيئة.
قد تربي أم معينة طفلها تربية حسنة، فيقوم ذلك الطفل بإنقاذ أمه، وقد تربيه تربية سيئة فيكون سبباً لهلاك أمه!
* دور الأم في التربية والتعليم إن تأثير الأسرة ـ وخاصة الأم ـ على الأطفال، والأب على الأحداث كبير جداً. ولو تربى الأولاد بشكل لائق وتعليم صحيح في أحضان الأمهات وبحماية الآباء المتدينين، ثم يُرسلون إلى المدارس، فإن عمل المعلمين سيكون أسهل.
تبدأ التربية أساساً من الحضن الطاهر للأم، ومن جوار الأب. ويمكن من خلال التربية الإسلامية والصحيحة وضع اللبنات الأولى للاستقلال والحرية، والالتزام بمصالح البلاد.
واليوم يجب على الآباء والأمهات أن يهتموا بسلوك أولادهم، وأن ينصحوهم لدى مشاهدة حركات غير عادية حتى لا ينخدعوا بالمنافقين والمنحرفين، فيخسروا الدنيا والآخرة.
وينبغي بالآباء والأمهات أن ينتبهوا إلى أن سنوات المدرسة والجامعة هي سنوات الهيجان والتحرك بالنسبة لأولادهم، وإنهم ينجذبون إلى المجموعات والمنحرفين من خلال أبسط الشعارات.