لماذا تكرهنا مؤسسة الحكم في بلادنا ؟
سؤال يطرحه الكثيرون من البحرانيون على أنفسهم وبين بعضهم والبعض الآخر ، وهو سؤال يعكس مدى الشرخ الذي وصلت إليه العلاقة بين الطرفين ، بين من هم يسيطرون على السلطة من جهة وبين المكون الرئيسي لشعب البحرين ، والذين بأصواتهم تتغنى السلطة ليل نهار بنتائج الميثاق الباهرة .
الميثاق الذي من المؤكد حقق لمن هم يسيطرون على سدة الحكم حاليا أهدافا وتطلعات ضخمة ظلوا عاجزين عن تحقيقها طوال اكثر من قرنين من الزمن . ولكنه – أي الميثاق – وكما وصلت إليه الأمور هذه الأيام لم يحقق لمن صوتوا له أي شيء يذكر ، بل ساءت الأمور الي الدرجة يجري فيها مكافئة الذين جروا للتصويت على الميثاق بمزيد من التهميش والإقصاء وتكريس ممارسات التمييز الذي عانى منها هذا الوطن طويلا .
ويأتي التجنيس السياسي بالصورة الفعلية القائمة ليضيف إلى رصيد المكافئات صفعة مؤلمة وقاسية لنا جميعا ، وكأننا طائفة منبوذة لا تستحق الحياة . ويجري امتهان كرامتنا ليل نهار عبر قوافل المجنسين وفق خطة احلال وتبديل تعكس حجم الكراهية التي تكنها السلطة الحاكمة لنا كمكون رئيسي أهداها "الميثاق" لا ليطوي صفحة الماضي الكئيبة الحزينة وإنما ليكون إطارا لحصد الجوائز والمكافئات على غرار التجنيس السياسي وتكريس التمييز وتعزيز سياسات الإقصاء والتهميش .
ولا أدري ، حسب التطورات والمستجدات الأخيرة ، إن كان مسموح لنا أن نتساءل ، ولمجرد التساؤل عن لماذا تكرهنا السلطة الحاكمة إلى هذا الحد ؟
إلى الحد الذي تجلب فيه المرتزقة من كل بلاد الدنيا لكي يتسلموا أمننا الوطني ، ولكي يتم بأيديهم ضربنا وتأديبنا وهم لا ينتمون إلى هذا الوطن ولايعرفون منه الا الإمتيازات والجنسية التي حصلوا عليها . وإلى الحد الذي نعيش فيه في وطننا كالغرباء أمامهم في الوزارات السيادية المحظورة علينا .. بينما نهديهم "الميثاق" ثقة وأملا في أن نعيش في وطن نشعر في فخرا واعتزازا بالإنتماء إليه دون الإحساس بأننا مواطنون من الدرجة الثانية او العاشرة بعد الألف بعد حظي بشرف الجنسية هذه الجموع الهائلة من باكستان والهند والفلبين والأردن ومصر وسوريا .
نتساءل عن مبررات هذه الكراهية بعد "الميثاق" مرة تلو الأخرى ، فنجد التساؤل يكون اكثر إلحاحا عند كل مستجد يتم فيه تعزيز سياسات الإقصاء والتهميش والإزدراء بنا كأمة وكفئة او طائفة . أن كل ما تعانية البحرين اليوم هو إفراز لعقدة الكراهية التي تحملها السلطة ضدنا رغم أننا المكون الأساسي لمجتمع البحرين .
ربما يرى البعض في هذا الكلام مبالغة سيما عند اولئك الذين لم يحترقوا او يكتووا بنار هذا الكراهية لا بالنفي والإبعاد لمدة طويلة وصلت إلى زهاء الربع قرن ، ولا بنار الإقصاء والتهميش عن الخدمة في مؤسسات دفاع وأمن هذا الوطن ، ولا بنار عدم الإعتراف بنا كمكون أساسي في رحاب هذا الوطن ، ولا بنار التمييز الطائفي في التوظيف والخدمات العامة كالإسكان وغيرها .
نتحرق ألما لما نشاهده في المنطقة الخليجية من الفرص المتاحة لإخواننا الخليجين في فرص الحياة المتعددة ومجالات الترقي لشغل المناصب في مختلف أجهزة الدولة وتمثيلها . بينما نحن محرومون من مجرد الدخول إلى وزارة الدولة لإنجاز المعاملات دون احساسنا بأننا داخلون إلى معسكر أمني .
تساؤلات تطرح ، وما من أجابة شافيه ، حول لماذا تحضر الوظائف في الوزارات السيادية علينا ؟ ولماذا نعامل كمواطنين منبوذين في وطننا ؟ ولماذا تعاملنا مؤسسة الحكم كخصوم وأعداء ؟
نذهب الى أي من وزارت الدولة في وطننا وتلفنا مشاعر خلقتها سياسات طويلة من التهميش والإقصاء بأننا ذاهبون لمؤسسة تمثل سلطة غير راغبة في وجودنا .
كنا نتصور بأن ما حدث في الميثاق كافيا لإزالة شكوك الأسرة الحاكمة في أن احدا منا لايريد مزاحمتهم فيما هم خائفون عليه من تاج السلطة وصولجانها . وكان الأمل يحدونا بأن عهدا جديدا وصفحة بيضاء قد بدأت لتزيل ركام السنوات الطويلة من الشك والقلق وما انتجته من تضخيم للأجهزة الأمنية والإستخباراتية لمطاردة فلول المطالبين بالحرية وقسطا من العدالة الإجتماعية وليست كلها وسجنهم والنكال بهم بواسطة التعذيب الجسدي والنفسي أو ابعادهم وجعلهم يعيشون قسرا في بلاد المنافي . لكن فترة "العرس" و"الإحتفال" بنتائج الميثاق كانت جد قصيرة ، ولم تفضي إلى إزالة ذلك القلق والهاجس لدى مؤسسة الحكم بأن أحدا من هذا المكون الأساسي لديه طمع أو رغبة في منافستهم على الحكم والسيطرة . وإن جل ما يرجونه هو قسط من العدالة الإجتماعية ومعاملة مؤسسة الحكم لهذا المكون على اساس من المواطنة وليس الطائفية .
تغيرت بعض الأمور الشكلية ، واصبح لدينا الآن ممثلين في برلمان ، اثبت بعد مرور سنوات سبع على انشائه بأنه فاقد الإرادة والقدرة على ممارسة ما كان يفترض أن يمارسه كإطار رقابي تشريعي ، بل ظل عاجزا حتى من ممارسة بعض بديهيات العمل البرلماني في استجواب الوزراء ، وهذا ما لم يقدر عليه هذا البرلمان الذي سيج بحزمة ضخمة من السياسات المقيدة والمكبلة . ولكن بقي الشك والقلق والهاجس في مكانه لدى مؤسسة الحكم ، فلم يحدث هناك أي تغيير يذكر في سياسات التمييز والتهميش .
بل أقطع بأن هامش الحرية الذي جاء بعد الميثاق ولد هاجسا اكبر وقلقا اشد وشكا اعقد لدى مؤسسات الحكم تجاه من صوتوا لصالح الميثاق . فكانت الممارسات هذه المرة أشد من ناحية تعزيز الهاجس الأمني الذي لم تستطع نتائج الميثاق تنحيته او تحريكه جانبا . وظلت الوزارات السيادية كما كانت عليه وازداد الإصرار على عدم فتح ابوابها على اساس ما يفترض ان الميثاق جاء به هو المعاملة مع جميع ابناء هذا الوطن على اساس المواطنة وليست الطائفة التي ينتمون إليها .
وازداد الحال بؤسا وبما يعبر عن زيادة هاجس السلطة وقلقها بخطوة التجنيس السياسي ، تحت مظلة كلام كثير قيل حول خلفيات هذه الخطوة . ولكنها مهما كانت الاسباب والدوافع فإن ممارسات السلطة تجاهنا لا تأتي إلا في سياق التعبير عن موقف مؤسسة الحكم الثابت وغير المتغير والذي ازداد صلابة في الآوانة الأخيرة لإبقاء هذا المكون بعيدا بمسافات طويلة عن المشاركة في هذا الوطن تحت أي مسمى كان ولو كان لمجرد الرزق والوظيفة او شرف الخدمة المدنية او الامنية وحتى العسكرية لحماية هذا الوطن .
أما الأزمة الأخيرة ، ما هي إلا أحدى تداعيات الموقف الثابت وغير المتزلزل للسلطة الحاكمة تجاه ابقائنا بعيدا عن "الوطن" بما هو إطار ونظام دولة وسلطة وحكم . وسوف تظل الساحة مرتعا للإختناقات السياسية بشكل مستمر ما لم تغير مؤسسة الحكم نظرتها تجاهنا وتعمل على إحالة التهميش والإقصاء إلى التقاعد .
وإلى الذين يقولون بأن الإِشارة إلى كراهية السلطة لنا هو ضرب من ضروب الخيال نقول لهم إننا في وطننا لازلنا نبحث عن اجابة لماذا يجري تهميشنا واقصائنا ومعاملتنا بهذه الصورة القاتمة من عدم الإنصاف والعدالة ؟ ولماذا يجري ضربنا بيد من حديد كلما طالبنا بإستحقاقاتنا الوطنية ؟ ولماذا تكون التهم المعلبة جاهزة لنا في حال صدحنا بالمطالبة بحقوقنا ؟ ولماذا تتحول المطالبة بمعاملتنا على اساس المواطنة إلى تهمة وجريمة يعاقب عليها "القانون" تحت عناوين متعددة ، تارة تحت عنوان ازدراء نظام الحكم ، وتارة آخرى المس بهيبة الدولة ، وتارة ثالثة التآمر لزعزعة الأمن والإستقرار . وكلها تهم فضفاضة يمكن تلفيقها في اية لحظة لمن يقولون رأيا مخالفا أو يطالبون بحق من الحقوق بالذات حق المشاركة السياسية ومحاسبة "الفاسدين" ممن هم يمسكون بمخانق السلطة ومواردها . أو لا تمثل كل هذه الممارسة "كراهية" أو لا تعبر عن أحد مضامين الكراهية . فإذا لم تكن كراهية .. فماذا يمكننا أن نسمي هذا الممارسات ؟
ارجو أن لا يقول لي احد بأنها تمثل الحب والرغبة في تنمية قرانا المهملة ، والطموح بأن نكون في وظائف وأعمال أرقى من مجرد الدخول في صفوف الجيش او الامن . فهذه تحط من قدركم فأتركوها للمجنسين .
ولست مضطرا هنا لأعطاء الدلائل والأرقام للتدليل على كراهية مؤسسة الحكم لنا ، فأن نار التهميش والإقصاء والتمييز ومعاملتنا بعيدا عن اسس المواطنة حارقة إلى الدرجة التي لا يزعم من لا يراها او يحس بها إلا من كان ضميره ميتا أو قد أعطاه إجازة غير مستحقة أو لمن لن يراها ممن اصبحوا جزءا من معادلة هذا الإضطهاد والقهر لهذا المكون الأساسي في نسيج هذا الوطن .
وربما بحثنا عن اسباب هذه الكراهية في مقال آخر .
"واسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يصلي على محمد وآله وأن يخلصنا مما نحن فيه من محنة وغمة وغصة وأن يفرج عنا بمحمد وآل محمد" .
ا