زيارة للفوعة في يـوم بازارها!!
هل تحظى بالمساعدة لتحويل المكب إلى حديقة مساحتها 12 دونماً ؟
مدينة الآثار النفيسة وسط غـــابات التـــــين والــــزيتــــون
توقف الميكروباص ونزل كل الركاب، سألت السائق: هل وصلنا إلى الفوعة..؟.
أجاب: نحن على مقربة من ساحتها العامة لكنني لا استطيع الوصول اليها، فاليوم هو الخميس إنه يوم بازار الفوعة!!
رأيت اكواماً من الخس والبقدونس والفليفلة والنعنع والشوندر والملفوف واللفت وكثير من أصناف الخضار الأخرى، واعتقدت انها خضار صحية نظيفة إذ كان الاقبال عليها كبيراً ومنذ تلك اللحظة بدأت أفكر بالكتابة عن الفوعة لصالح هذه الصفحة البيئية.
على الرغم من أنني لم أذهب اليها في مهمة بيئية بل بدعوة من الاستاذ سمير مرعي مدير مركزها الثقافي لالقاء محاضرة فيها عن «غزة بعد العدوان».
وعندما استفسرت كيف تم اختياري بدأت ألمس أنني في مناخ ثقافي مختلف، هام وناضج، نزيه وموضوعي وعميق، وكانت أول فكرة أصغيت اليها بانبهار: لقد قرأنا لك خاطرتين في «كلام الناس» ومقالتين في نقاط على الحروف عن غزة اثناء العدوان ولمسنا لديك القدرة على اغناء جمهورنا بكثير من الافكار والتفاصيل الهامة.
سألني أحد الزملاء في دمشق: كيف اكتشفت هذه الفوعة..؟.
ولعلي أجبت.
ولعل تلك الاجابة تضيء ان القارىء الفطن المغربل موجود وان هناك من يتابعنا حتى ولو كانت الجريدة تصل إليه بعد ثلاثة أيام من صدورها في الشام - على أمل إيجاد حل لمشكلة توزيع الصحف في الريف - أسوة بأرياف العالم وهي أكثر فهماً للقراءة من المدن المشغولة بألف سبب وسبب.
وبعد جولة ميدانية على الاماكن الاثرية الهامة جداً في الفوعة ولا سيما مقام (دوسة) الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ومقام الشيخ مهنا ومرقد المجاهد الكبير ركن الدين الرابع أبو سالم (707) هـ واحجار هي بقايا دير الفوعة الشهير.
يفاخر أهالي الفوعة ان داود الانطاكي طبيب عصره وحكيم زمانه (القرن السادس عشر الميلادي)، قد ولد في الفوعة سنة 1524م ومن أشهر كتبه «تذكرة أولى الألباب والجامع للعجب العجاب».
اصبحت الفوعة مدينة بالمرسوم الجمهوري رقم 320 لعام 2007.
ويقول فايز قوصرة في كتابه «ولاية الفوعة» ان الاسم في الارامية يعني فاح وفي الاوغاريتية تعني الخصب.
نعم كانت ولاية قبل أن ترى مدينة ادلب النور وكانت على علاقة جيدة مع ايبلا.
في الطريق إلى المركز الثقافي سرني مشهد الباراز - سلع من مختلف الاصناف والانواع وباعة كثر ونساء ورجال وشباب واطفال والجميع يتحدثون عن الاسعار والبضائع وغرائب الباعة في البيع وتخفيض الاسعار.
قال لي الاستاذ سمير: إن عدد سكان الفوعة 22 ألف نسمة الآن وان فيها قاعدة ثقافية عريضة وهي مدينة أثرية ذات مناخ جميل وشعب طيب.
تذكرت الاصدقاء في وزارة السياحة وسعيهم الحثيث إلى السياحة البيئية وتمنيت ان يهتموا بهذه المدينة لإيقاف خراب بعض آثارها الهامة جداً وترميمها ولا سيما وان عشرات ألوف السياح الاجانب يزورون إيبلا في ادلب - المحافظة - ومتحف ادلب المدينة، أما الفوعة فإنها تبعد 10 كم عن ادلب.
رأيت في سياق الزيارة الميدانية الكثير من حقول الزيتون وآلاف الاشجار ولفت انتباهي وجود أكوام من التراب الأحمر في حقول الزيتون وقيل لي إن لدى الفلاحين قناعة ان التراب الأحمر خصب ولهذا يحضرونه لحقولهم لتخصيبها.
ورأيت في هذا التصرف مؤشراً عن حيوية فلاحي الفوعة ونشاطهم ودأبهم إنها انموذجية للسياحة البيئية، فهي غابة من اشجار الزيتون والتين وحقول الخضراوات.
ويمكن ان يتلقف النداء أولئك الذين يسعون إلى تنشيط السياحة الداخلية وتنويع الرحلات فيها والاكثار من أماكن الزيارة واعتقد ان الفوعة جاذبة لكثيرين يودون التعرف عليها وعلى اسرار تميزها وشهرتها في الماضي والحاضر.
الهموم البيئية
وفي سياق الحوار عن البيئة لمست هموماً كثيرة ابرزها ما قاله السيد عبد الجليل اسماعيل أحد ابناء
الفوعة إذ اشار إلى روائح مزعجة يصدرها معمل البيرين في القرية ولا سيما في فصل الصيف، والبيرين هو تفل الزيتون ويستخدم كوقود مثل الحطب أو الفحم وتمنى حلاً عبر نقل المعمل إلى مكان بعيد عن بيوت الفوعة، (وهنا اتقدم بالشكر الجزيل للزميل ابراهيم عبد العزيز عضو مجلس الشعب والصحفي القدير وقد جاء إلى الفوعة وحضر المحاضرة مع الزميل حبيب مدير المركز الاذاعي والتلفزيوني في ادلب ثم رافقني في ادلب إلى وحدة بحوث ادلب الزراعية ومكتب الزيتون، ومديرية البيئة لدراسة الأثر البيئي للبيرين والسائل الناجم عن عصر الزيتون الجفت)، أما الشاعر مصطفى جواد فلقد أوضح ان الواقع البيئي كان أفضل في الماضي.
صحيح ان شبكة الصرف الصحي الجديدة نسبياً هي في صالح الناس وعافيتهم، ولكن هناك من استغل تلك المياه وراح يروي فيها الخضار والاشجار، وهذا يؤثر تأثيراً سلبياً على صحة الناس مستهلكي تلك الخضراوات والثمار وعلى الأرض الزراعية. قرأ علينا الشاعر قصيدة كتبها عن غزة بعنوان اجراس العودة ومن ابياتها :
في غزة مجزرة كبرى
ونفوس يرهقها القتر
ارهاب دولة صهيون
جرم لن يغفره الدهر
هزي أمي سيفاً حراً
لا يرهبه المكر الشر
يا روح العزة يا غزة
في كفك يختال النصر
كانت سهرة مميزة في ذاك البيت الفاضل وكانت الكهرباء مقطوعة ثم اعيدت بفضل الزميل ابراهيم عبد العزيز وكان الاستاذ مصطفى يؤثر الا يتحدث إلا عن الشعر لكنه قال: محطة المعالجة هي الحل وروى انه قبل تغطية المجرور كان البعوض يقرص الاطفال والكبار وعندما لجأ الناس إلى استخدام «الناموسية» البيضاء راعهم انها كانت تُغطى بالبعوض بكثافة !!.
سرنا أننا تعرفنا إلى السيد حسان جواد رئيس مجلس المدينة السابق، كانت الكهرباء مقطوعة والامطار غزيرة ولم نوفق في التعرف على رئيس المجلس الجديد، سألنا السيد حسان: كيف نجحتم في تغطية المجرور.
أجاب: بشكل متدرج وعاماً إثر عام إلى المصب النهائي في كفر حلب.
قلنا له: لقد اشتكى أهالي الفوعة من مكب القمامة.
أجاب: إنه مُسور ويبعد 1.5 كم عن المدينة ولكنه ضمن الاراضي الزراعية وياحبذا لو نجد من يعطينا ارضاً مناسبة لنقيم مكباً بديلاً عليها، إن مساحته 12 دونماً وهذا فعلاً يصلح حديقة.
واذكر أننا راسلنا الوزارة وكان جوابها امنوا قطعة أرض بديلة مناسبة غير بعيدة ولا سيما بعد غلاء المازوت إذ يصبح نقل القمامة مكلفاً جداً.
قلنا له: لقد اشتكى المزارعون من ان حرق القمامة يؤدي احياناً إلى حرق حقولهم.
أجاب: كانت تعليماتنا مشددة بدءاً من أيار بالامتناع عن الحرق حتى لا ينتقل الشرار إلى حقول القمح الفتية لكن النباشين لا يتقيدون ويحرقون للحصول على الحديد والمعادن.
سألته: هل تستطيع البلدية ان تبني حديقة بمساحة 12 دونماً ضحك وقال: ما يرصد للحدائق في موازنة مجلس المدينة لا يتجاوز 300 ألف ليرة والحديقة التي يتمناها الناس تحتاج إلى عشرة ملايين ليرة وهي ضرورية لأن الأراضي الزراعية تنحسر بسرعة وتستبدل بالبيوت على الرغم من أننا اعتمدنا نظام بناء من ثلاثة طوابق وسمحنا بطابق رابع للتوسع الشاقولي بدلاً من الافقي لحماية الأرض الزراعية.
فكرة موجزة
هذه فكرة موجزة عن الفوعة «إحدى مدن ادلب الخضراء، ادلب ذات الـ 14 مليون شجرة زيتون حالياً وما يقرب من 14 مليون شجرة كرز وتين واشجار حراجية، نعم في ادلب 28 مليون شجرة وهي خضراء لهذا السبب ولأن معدل امطارها ما بين 500 مم إلى 800 مم وهي أرض المدن المنسية وتل مرديخ حيث ايبلا التي غيرت التاريخ، الفوعة انموذج عن ادلب بخضارها واثارها وبيئتها.
محرر صفحة البيئة