«
وهذا يوم حادث جديد وهو علينا شاهد عتيد .. اللهم اجعل لنا في كل ساعة من ساعاته حظاً من عبادك ونصيباً من شكرك، وشاهد صدقٍ من ملائكتك .. اللهم صلِّ على محمد وآله ووفقنا في يومنا هدا وليلتنا هذه وفي جميع أيامنا .. اللهم صلِّ على محمد وآله.. واستفرغ أيامي فيما خلقتني له..» الصحيفة السجادية
أ - في رحاب الدعاء:
ربما ينصرف ذهن الكثيرين من الناس إلى أن اللَّه تعالى سيسألهم يوم الحساب عن أداء العبادات أو تركها أو اجتناب المحرمات فقط، ولا يلتفتون إلى أنه توجد مسؤوليات أخرى هي محل اهتمام الخالق سبحانه، ويتهاون الإنسان بعض الأحيان فيها، ومن تلك الأمور التي يسألنا اللَّه عنها الوقت الذي هو نعمة وعطاء منه يمكن أن نملأه فيما أراده عزّ وجلّ لنا، وليس من الصواب أن الإنسان إذا أدّى واجباته العبادية واجتنب ما نهاه المولى تعالى عن فعله أن يعيش في فراغ دائم ويضيع أوقاته دون جدوى ولا يلتزم ببرنامج عمل في حياته.
فالإمام السجاد عليه السلام يكشف من خلال الدعاء المتقدم عن أمرين لا بد منهما وهما:
الأول: ضرورة استعمال الوقت وعدم إفناء العمر بالفراغ.
والثاني: أن يكون ذلك فيما أراده اللَّه تعالى وخلق البشرية لأجله، لا مجرد استغلال الوقت في أي شيء كان وهو المقصود من قوله عليه السلام : «واستفرغ أيامي فيما خلقتني له».
وإلى نفس المعنى يشير في دعاء آخر: «واجعلنا من أرضى من مرّ عليه الليل والنهار من جملة خلقك»
ويحدثنا الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عن مسؤولية الوقت قائلاً: «لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن جسده فيما أبلاه» . وفي الحديث: «إن عمرك وقتك الذي أنت فيه» لذلك صحّ أن يقال أن الوقت أمانة لدينا فلا يسوغ لنا التهاون بها أو تضييعها أو خيانتها.
ب - كيف تصان أمانة الوقت؟
لا بد قبل معرفة الجواب أن نبيّن أنحاء الوقت وهي:
النحو الأول: أن يكون الوقت خاصاً بالشخص ولا يشاركه فيه غيره كالساعات التي يخلد فيها إلى الراحة في بيته أو النزهة إلى مكان ما.
النحو الثاني: أن يكون الوقت مشتركاً بينه وبين آخرين كالحصة الدراسية في الجامعة حالة كونه طالباً فيها فإن وقتها لا يخصّه لوحده بل يشاركه سائر زملائه في الصف إضافة إلى الأستاذ.
النحو الثالث: أن يكون الوقت لغيره كالموظف في مؤسسة ما أو الأجير لدى رب العمل لساعات محدّدة يشغلها بالمهمة الموكلة إليه سواء في الصناعة أو الزراعة أو في الشؤون الإدارية أو غير ذلك.
و تصان أمانة الوقت في الأنحاء الثلاثة على الشكل التالي:
أما الأول: فإنه طالما كان الواحد منا مالكاً لوقته غير مرتبط بدوام مع غيره، وأراد تنظيم ساعات أيامه بالشكل الذي يريده الإسلام له وتفرضه عليه تلك المسؤولية عن عمره فالذي ينبغي له هو أن يتبع التقسيم الذي أرشدنا إليه مولانا الكاظم عليه السلام حيث يقول: «اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة اللَّه وساعة لأمر المعاش،
وساعة لمعاشرة الاخوان والثقات الذين يعرفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن، وساعة تخلون فيها للذاتكم في غير محرم...»
والذي يفهم من الحديث أن اشغال الوقت بتمامه بأمرٍ واحد مما ذكره عليه السلام كأن يكون كل وقته لأمر المعاش أو كل وقته للانصراف إلى الملذات غير المحرمة هو غير مرغوب فيه بل اللازم اعتماد التوزيع المذكور.
وأما الثاني: فينبغي عدم هدر الوقت باختلاق أسئلة لا طائل فيها أو تعمد تضييع الحصة الدراسية بما يعطّل الفائدة على أصدقائه التلامذة، أو القيام بأي عمل من شأنه أن يؤخر برنامجهم العلمي فإن المسؤولية هنا أشد وآكد حيث أنه غصب لأوقات الآخرين إضافة إلى تضييع وقته وربما كان الذي فات لا يعوّض بالنسبة إلى الجميع.
وفي الحديث: «ما انقصت ساعة من دهرك إلا بقطعة من عمرك»
ومما قاله أمير المؤمنين عليه السلام : «إنما أنت عدد أيام فكل يوم يمضي عليك يمضي ببعضك، فخفض في الطلب وأجمل في المكتسب»
وأما الثالث: فإنه إذا فرّط الأجير بالوقت وانصرف إلى شؤون تخصّه كان خائناً لمن استأجره وائتمنه حيث فرض له بدل مالي لقاء إشغال هذه الساعات وقيامه بالمهمة الموكلة إليه على أحسن وجه، ويظهر هذا النوع من الخيانة لأمانة الوقت في المؤسسات الانتاجية والمصانع التي ينخفض فيها مستوى الانتاج كلما هدر العاملون فيها الأوقات وانصرفوا عن أداء العمل حقه. ومن الناحية الشرعية تنشأ مشكلة تقاضي الراتب المالي كاملاً حال عدم الالتزام بأشغال الوقت فيما حدّد له إذا أن الساعات اتي هدرت لغير مصلحة المؤسسة لا يحق للموظف أو الأجير أخذ البدل عنها ويكون أخذ الأجرة عليها حينئذٍ أخذاً للمال بغير حق.