لبست الشمس عباءتها و بدأت تأفل ببطئ ملوحة بآخر خيوطها الذهبية مودعة ، لكن سامر كان يعانق والدته مقبلا إياها وعيناها تمطر دموعا ، وهي تقول : الله يرضى عليك يا ابني دير بالك على حالك أنت في بلاد غربة ومافي حد بجنبك من أهلك ، أما سامر فكان يهز رأسه و الكلمات لا تستطيع الخروج من فمه ، وكلما أراد الرد يتلعثم ويبلع نصف حروف الكلمات مبتسما ، حتى لا تر أمه بعض دموعه ، التي كانت تزين خديه .
تقدم الأب الذي كان يراقب هو الآخر لحظة وداع سامر مع أمه ، ليقبل ابنه الذي اعتاد أن يكون بجانبه دائما ، حتى انهمرت من عينيه بعض الدموع ، قائلا : يا ابني ياسامر كون قد حالك الغربة ما بترحم حد
هز سامر براسه كعادته موافقا والده ، وضم الأب ابنه إلى صدره بحرارة لمدة دقيقة ، كما لو أنه يريد إشباع نفسه من رؤية ابنه، ثم تركه ونظر إليه نظرة اختلط فيها الحنان بالرجولة ، وهز كتف ابنه براحة يده ، التي تركت عليها الحياة رسوما تحكي قصص الأرض والزيتون والتين والقمح ، أما تجاعيد وجهه فكانت تروي لنا حكايا الحب والعذاب ،والفرح والحزن ، في الضيعة التي تأصل فيها وأصبح أحد جذورها التي لا يمكن اقتلاعها .
وما إن رحلت آخر خيوط الشمس عن الوجوه التي ألفها سامر ، حتى بدأت الطائرة بالهدير معلنة إلى الركاب التوجه إليها ليأخذ كل مكانه فيها .
في هذه اللحظة قبل سامر أمه ولف أبوه ، لكن الدموع أبت أن تبقى متصلبة في عينيه ، فانهمرت على وجنتيه ، إلى أن أغرقت قميصه الأبيض ، وبدا لو أن السماء أمطرته بحبات المطر ، فاختلطت دموعه بدموع أبويه ، وانصهر الفرح بالحزن ، والبسمة بالبكاء ، مودعا، مبتسما، باكيا ، لتقلع الطائرة إلى عالم آخر ، لربما يجد سامر مافقده في وطنه .
لكن هي الأيام قالت فيما بعد كلمتها .........فوجد سامر كثيرا ما لم يجده في الوطن ، لكنه فقد أشياء وأشياء ماكان يملكه في وطنه ..... وبقيت المعادلة دون حل إلى أجل غير مسمى ............................................!!!!!!!!
د. نزار بوش