سأدرج هذا الموضوع في عدة حلقات وأرجو من المشرفين الكرام إبداء الرأي إن كانت لديهم أي ملاحظة.
تزخر اللغة العربية بطائفة واسعة من المفردات التي يظن الناس أن معانيها متطابقة فيضعونها في باب ما يسمى المترادف. ولا نريد نحن أن نغالي فنذهب مذهب من ينكر الترادف في اللغة لكننا نريد أن نتنبه إلى الفروق الدقيقة بين هذه المفردات مما يظهر واضحاً في سياق الإستعمال اللغوي فإن للتركيب معنى غير معنى الإفراد. ونورد بعض الأمثلة لتلك الفروق :
*** من ذلك الفرق بين ( القراءة والتلاوة).. اللتين تبدوان مترادفتين فالتلاوة لا تكون إلا لكلمتين فصاعداً والقراءة تكون لكلمة واحدة. يقال: قرأ فلان اسمه ولا يقال تلا اسمه وذلك أصل التلاوة إتباع الشيئ. يقال : تلاه إذ تبعه فتكون التلاوة في الكلمات يُتبع بعضها بعضاً ولا تكون في الكلمة الواحدة إذ لا يصح فيه التلو.
*** ومن ذلك الفرق بين (الدين والملّة).. فالمِلَّة اسم لجملة الشريعة. والدين اسم لما عليه كل واحد من أهلها. يقال : فلان حسن الدين ولا يقال حسن الملة بل يقال من أهل الملة. فالواضح أن الإستعمال اللغوي والتركيب هو الذي حدّد الفرق الدقيق بين المفردتين. والدين ما يذهب إليه الانسان ويعتقد به أنه يقرّبه إلى الله وإن لم يكن فيه شرائع مثل دين أهل الشرك. وكل ملة دين وليس كل دين ملة.
*** (والخوف والخشية) .. لا يكاد الناس يفرقون بينهما ولكن الخشية أعلى من الخوف وهي أشدُّ منه فهي كمن قولهم : شجرة خشيةّ إذا كانت يابسة وذلك انقضاء وفوات للأمر كلية. والخوف من قولهم : ناقة خوفاء إذا كان بها داء. وذلك نقص وقصور وليس بانقضاء ولا فوت. ومن هنا خُصَّت الخشية بالله تعالى في قوله سبحانه ( ويخشون ربَّهم ويخافون سوء الحساب). الرعد آية: 21.
وقيل إن الخشية تكون من عظم المخشي وإن كان الخاشي قوياً والخوف يكون من ضعف الخائف وإن كان المخوف يسيراً.
*** ومن ذلك (جاء وأتى).. وما بينهما من فرق دقيق. فيقال : (جاء) في الجواهر والأعيان و (أتى) في المعاني والأزمان. وفي مقابلهما (ذهب ومضى) . يقال : ذهب في الأعيان ومضى في الأزمان ولهذا يقال حكم فلان ماض ولا يقال ذاهب لأن الحكم ليس من الأعيان.
وقال تعالى : ( ذهب الله بنورهم ) . البقرة آية : 17. ولم يقل : مضى لأنه يضرب له المثل بالمعاني المفتقرة إلى الحال ويضرب له المثل بالأعيان القائمة بأنفسها فذكر الله (جاء) في موضع الأعيان و (أتى) في موضع المعاني والأزمان.
*** ومن ذلك ( الخجل والحياء ).. فالخجل معنى يظهر في الوجه لحرج يظهر عند ذهاب حجة أو ظهور على ريبة وما أشبه ذلك. فهو شيئ تتغير به الهيئة. والحياء هو الإرتداع بقوة الحياء ولهذا يقال فلان يستحي في هذا الحال أن يفعل كذا ولا يقال يخجل أن يفعله في هذه الحال لأن هيئته لا تتغير منه قبل أن يفعله. فالخجل مما كان والحياء مما يكون. وقد يستعمل الحياء موضع الخجل توسُّعاً. وأصل الخجل في اللغة الكسل والتواني وقلة الحركة في طلب الرزق ثم كثر استعمال العرب له حتى أخرجوه على معنى الإنقطاع في الكلام.
*** ومن ذلك الفرق بين ( الظل والفيئ ).. فالظلُّ يكون ليلا ونهاراً ولا يكون الفيئ إلا بالنهاروهو ما فاء من جانب إلى جانب أي رجع. والفيئ : الرجوع. ويقال : الفيئ التبع. لأنه يتبع الشمس وإذا ارتفعت الشمس إلى موضع المقال من ساق الشجرة قيل : قد عقل الظِّل.
ً