[size=24]
* هدف الأنبياء هو نشر التوحيد إن الهدف الذي بُعثَ من أجله الأنبياء، وجميع الأعمال الأخرى هي مقدمة له، هو نشر التوحيد ومعرفة الناس بالعالم، وإراءة العالم كما هو، لا بالشكل الذي ندركه. وبذلوا جهدهم ليكون كل التهذيب والتعليم، وتنصب جميع الجهود لإنقاذ الناس من هذه الظلمة التي تسيطر على العالم، إلى النور.
فكل شيء سوى الله جل وعلا ليس بنور، والكل ظلام. ولو أمكننا الخروج من هذه الحُجُب المظلمة، ولو نجحنا في الخروج من حُجُب النور أيضاً، واخترقنا جميع الحُجُب، عندها سنشاهد الحق بكل صفاته وأسمائه، ولا يوجد شخص غيره. فكل شيء سواه سراب. وطبعاً فإن القلة من أولياء الله ومن أتباع الأنبياء وفقوا وتمكنوا من الوصول إلى معناه الكامل ذاك، وللآخرين مراتب أدنى، حتى يصل الأمر إلينا، فلا شيء عندنا.
* معرفة الله هي الهدف النهائي إن جميع أهداف الأنبياء تعود إلى كلمة واحدة وهي معرفة الله، وكل شيء مقدمة لهذا الهدف، فلو كانت هناك دعوة للعمل الصالح، ودعوة لتهذيب النفس، ودعوة للمعارف، فإن جميعها تعود إلى هذا، وهو رفع الحجاب عن تلك النقطة الأصلية الموجودة في فطرة جميع الناس، حتى يصل الإنسان إليها، وهي معرفة الله. فهذا هو الهدف السامي. ولم يكن الأنبياء يريدون حرباً، ولا دعوة غير هذه الدعوة، ولم يدعوا لاحتلال البلدان، وغير ذلك أبداً.
* الأديان الإلهية واهتمامها بجميع أبعاد الإنسان إن جميع الأديان النازلة من الخالق تبارك وتعالى، وجميع الأنبياء العظام الذين أمروا بالإبلاغ، إنما جاءوا من أجل راحة الإنسان وبنائه، وأراد الباري تعالى من خلال الوحي للأنبياء العظام هداية الناس... وبناء الإنسان في جميع أبعاده التي له. إن جميع القوى وسائر الدول لا تبالي بمعنويات الناس، وجميع المدارس الموجودة في الدنيا ـ سوى مدارس التوحيد ـ لا تبالي بالذات الباطنية للإنسان، وما هي نفسيته، فليعمل ما يشاء، ولا يهتمون إلا بالمحافظة على دنياهم، والمحافظة على أنظمتهم. ولو كان النظم حاكماً فلا تهتم تلك الحكومات بما يعمل الإنسان والمخالفات التي يرتكبها.
لا يوجد أي قانون من القوانين غير التوحيدية يمنع الإنسان من بعض الممارسات حتى لو كان في صندوق مغلق. انهم لا يهتمون بالذات الباطنية للإنسان وما يفعله في منزله أو في الخفاء، ولا يبالون بذلك. وعليه فقط أن لا يخرج إلى الشارع، ولا يؤذي أحداً، ولا يخل بالنظم.
وهكذا هي المدارس غير التوحيدية بأجمعها، بعكس المدارس التوحيدية والأديان النازلة من السماء على الأنبياء العظام.
تهتم الأديان بكل أبعاد الإنسان، وحتى قبل أن يولد الإنسان نفسه... كيف ينبغي أن يكون الزواج وشرائطه، والمرأة التي يجب انتخابها، والرجل الذي ينبغي بالمرأة أن تنتخبه، لأن ثمرة هذا الزواج ظهور إنسان ما. وقبل الزواج فإنه ينبغي التفكير بهذا الطفل، وكيف يجب أن يكون عندما يرى النور حتى يكون سالماً في جسمه ونفسه، وهذا هو سبب الاهتمام قبل الزواج، والشروط المطروحة للزواج. ثم وبعد ذلك في مرحلة الحمل، وقبل الحمل عندما تتم عملية التلقيح، وما هي الشروط والأحكام المتعلقة بذلك، وما هي الأشياء المفيدة لتتناولها الأم [في مرحلة الحمل]، والقضايا التي يجب الامتناع عنها، وكيف تكون حياتها، وما هي الأشياء التي لابد من توافرها في فترة الحمل، وبعد أن يولد الطفل، وتلك المرضعة التي تريد إرضاعه... وكيف تكون، والطريقة التي ترضع الطفل، والأوقات، وما هي الحالات، وفي حضن الأم، وكيف تعاشر الأم طفلها، وكيف يعاشر الوالد طفله، وكيف تكون الأسرة من أجل تربية الطفل، وكيف يكون المعلم، والمجتمع الذي ينضم إليه، وما هي أوضاعه؟ كل هذا من أجل أن يكون هذا الإنسان الذي سوف يخرج، إنساناً مهذباً، وملتزماً، وأخلاقه حسنة، واعتقاداته صحيحة، وممارساته سليمة، وما هو سلوكه مع الناس، وسلوكه في المجتمع. وكيف ينبغي أن يكون مع جيرانه، ومع أهل بلدته، ومع إخوانه في الدين، والأديان الأخرى.
كل هذا لأن الأديان النازلة من الخالق جل وعلا الذي خلق جميع أبعاد الإنسان، وله رعاية بها، فإنها تريد تربية الإنسان بكل أبعاده. ولذا فمن هذا الباب لا يوجد أي اختلاف بين الأديان، وإنها جاءت جميعاً لتربية الإنسان. ويطرح الإسلام جميع هذه المسائل التي ذكرت بعضها سواء في أحكامه أو في قرآنه أو في حديثه. ويهتم الإسلام بدرجة كبيرة براحة الإنسان ورفاهه واستقراره وما شابه ذلك، ولا يضع ولم يضع أي فرق بين صنف وآخر في هذا المجال.
* هدفان أساسيان للأنبياء
لقد بُعث الأنبياء من أجل تنمية معنويات الناس واستعداداتهم حتى يفهموا ـ من خلال تلك الاستعدادات ـ بأننا لا شيء، وإضافة إلى ذلك إنقاذ الناس، وإنقاذ الضعفاء من نير الاستكبار. وكانت للأنبياء منذ البداية هاتين الوظيفتين؛ الوظيفة المعنوية لإنقاذ الناس من أسر النفس، ومن أسر ذاتها (لأن الذات شيطان كبير)، وإنقاذ الناس والضعفاء من سلطة الظالمين.
هاتان الوظيفتان هما وظيفة الأنبياء. وعندما يلاحظ الإنسان النبي موسى، والنبي إبراهيم عليهما السلام وما نُقل عنهما في القرآن، فإنه يرى بأنهما قاما بهاتين الوظيفتين، الأولى دعوة الناس إلى التوحيد، والأخرى إنقاذ المستضعفين من الظلم. ولو شاهدنا أن [المواضيع] في هذا المجال قليلة في تعاليم النبي عيسى عليه السلام [فإن السبب] هو قصر عمر النبي عليه السلام وعدم اتصاله الواسع بالناس، وإلا فإن أسلوبه هو نفس أسلوب النبي موسى عليه السلام وجميع الأنبياء، وأفضلهم وهو الرسول (ص). إن هذين الأمرين نراهما بالعيان في القرآن والسنة، ونراهما في نفس عمل الرسول (ص). فالقرآن دعا إلى المعنويات إلى ذلك الحد الذي يتمكن فيه الإنسان من الوصول إليه وفوق ذلك وأيضاً إقامة العدل. إن الرسول وجميع الذين تكلموا بلسان الوحي عملوا بهذين الأمرين. وكان عمل الرسول نفسه هكذا، إذ كان يهتم بتقوية المعنويات قبل أن يشكل حكومته. وبمجرد أن استطاع تأسيس حكومته فإنه أقام العدل إضافة إلى المعنويات، وشكّل حكومته وأنقذ المستضعفين من نير الظلمة بمقدار ما سنحت له الأيام.
* القيام بالقسط إن جميع الأنبياء منذ بداية البشر والبشرية، ومنذ مجيء آدم عليه السلام وحتى خاتم الأنبياء (ص)، إنما استهدفوا إصلاح المجتمع، وجعلوا الفرد فداءً للمجتمع. إننا لا نملك شخصاً أسمى من الأنبياء، أو من هو أسمى من الأئمة عليهم السلام، فهؤلاء ضحوا بأنفسهم في سبيل المجتمع. ويقول الباري جل وعلا في كتابه أنه بعث الأنبياء وأعطاهم البينات والآيات والميزان {ليقوم الناس بالقسط} فالغاية قيام الناس بالقسط، وأن تتحقق العدالة الاجتماعية بين الناس، ويزول الظلم، ويحل الاهتمام بالضعفاء، والقيام بالقسط. ثم يقول بعد تلك الآية {وأنزلنا الحديد}. فما هو الارتباط؟ إن ذلك يعني أن تحقق [هذه الأهداف] يكون بالحديد وبالبينات، وبالميزان وبالحديد {فيه بأس شديد} أي إذا أراد شخص ما أو مجموعة معينة القضاء على المجتمع أو على تلك الحكومة العادلة، فإنه ينبغي التحدث معها بالبينات، ولو لم ينفع ذلك، فبالموازين العقلية، ولو لم ينفع فبالحديد.
* تحطيم معاقل الظلم لقد جاءت النبوة وبعث النبي من أجل تحطيم معاقل الظالمين الذين يظلمون الناس. وإن معاقل الظلم هذه قد قامت أسسها على كدح هؤلاء الضعفاء، وعلى دمائهم واستثمارهم، وأصبحت قصوراً عالية. كان مجيء النبي (ص) لتحطيم هذه المعاقل وقلع جذور الظلم هذه. ومن جانب آخر فلأن الهدف أيضاً بسط التوحيد، فقد قام (ص) بهدم مراكز عبادة غير الخالق جلا وعلا، ومراكز عبدة الناس، وأطفأ نيرانهم.
* شرح صدر الأنبياء
إن الأنبياء والمرسلين ـ بسبب قواهم الوجودية وشرح صدورهم ـ فإنهم يتمكنون من مشاهدة عالم الشهادة في نفس الوقت الذي يشاهدون فيه عالم الغيب. وإن الوحدة والبساطة التي يشاهدونها من عالم الغيب إنما هي وحدة وبساطة حقيقية، وليست بالمفهومية تلك التي لا يمكننا نحن أن ندرك بدونها أبداً الأشياء بهذا التفصيل من الكثرة على صفحة القلب. وإنهم ينتبهون إلى جميع هذه الكثرات بالتفصيل. وهذا المعنى الذي يعني حفظ الوحدة الغيبية وحفظ مراتب عالم الغيب مع حفظ كثرات عالم الطبيعة، والذي هو أمر تكويني ويقوم على شرح الصدر وقوته، إنما هو مناط النبوة، فالذي يتمكن أن يكون هكذا، أي أن لا يجذبه عالم الغيب عن عالم الطبيعة، ولا يستهويه عالم الطبيعة فيمنعه من المشاهدة الغيبية لذلك الطرف، ويكون له قلب ذا وجهين بهذا النحو؛ فانه سيكون نبياً من بين الناس.
فالنبوة ليست أمراً مجعولاً ومنصباً جعلياً بالشكل الذي يُجعل للولاة، بل إن هذا المنصب قائم بعين حقيقة ذلك النبي، لأنه ينبغي أن يكون ذلك الشخص الذي يتمكن من مشاهدة حقائق عالم الغيب ويقتبس منها، ويبسط ذلك في عالم الشهود والكثرة، ويوصله للآخرين. وهذا غير ممكن إلا أن يكون القلب مفتوحاً باتجاه طرفي عالم الشهادة وعالم الغيب.
* سر عدم اختلاف الأنبياء
المجردون لهم علوم تطابق الواقع، لذا فإن جميع الأنبياء متطابقون في الكشفيات، وتوافق علومهم وأخبارهم لبعضهم البعض، ولم يكذب أحدهم مواضيع الآخر أبداً. ومحال أن يفعلوا ذلك. وهذا ليس من باب التقدّس، وأن الذم حرام. بل من جهة أنهم جميعاً وبذلك المقدار الذي يشتركون فيه جميعاً في الادراكات كانوا بنفس ذلك المقدار متوافقون في ادراك الحقائق من دون أن يكون بينهم اختلاف في الكلمة. مثلما لا نختلف نحن في أن "الواحد نصف الاثنين" فهذا معقول ضعيف من المعقولات التي لها أدنى مرتبة من التجرد وتدرك الأعيان المجردة. بحيث أنه لو استمر على ذلك فإن الحقائق تنبعث من نفسه وقلبه. وهذا هو المقصود، أن يحصل الأنس الاتحادي مع المبادئ العالية، لا أن يدرك الإنسان المفهوم فقط.
* عصمة الأنبياء
إن الله جل وعلا هو الذي يرسل الهداة للناس، وينتخب الأنبياء، فإنه ينتخب ذلك الشخص الذي لم يرتكب أي ذنب منذ بداية حياته وحتى نهايته، وهذا هو المعصوم، ويكون قادراً على تربية الناس وتزكيتهم وتعليمهم.
* الأنبياء ظل الله
إن ظل الله يكون ظلاً لله عندما تكون حركته إلهية، فلا يملك شيئاً من عنده. والرسول الأكرم (ص) هو ظل الله لأنه {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} و {الذين يبايعونك إنما يبايعون الله}، فلماذا تعتبر البيعة مع الرسول بيعة مع الله؟ لأن كل ما يملكه الرسول هو من الله، وكل ما يشاهده هو الله، وإنه فانٍ في الله. وإن كل حركة يقوم بها الأنبياء تطابق رضا الله، وهم يتحركون بحركته وبتحريكه، ولا يملكون حركة من عندهم بل يتحركون بتحريكه.
* الأنبياء مسيطرون على أنفسهم
لو اجتمع كل الأنبياء في مكان واحد لما تنازعوا أبداً. ولو افترضنا أن الأنبياء والأولياء جاؤا الآن إلى هذه الدنيا؛ فلا يتنازعون فيما بينهم أبداً. لأن النزاع يكون بسبب الأنانية، يبدأ من نفس الإنسان عادة وقد تمكن هؤلاء من تحطيم الأنا، وجاهدوا أنفسهم ولا يريدون شيئاً إلا الخالق.
* الدعوة إلى النور
إن معاشرة الأنبياء كانت إلهية أيضاً، حتى زواجهم كان إلهياً، وجميع برامجهم، وكل جانب نراه نحن من الأمور المادية الحيوانية، فانهم جعلوه إنسانياً، وجعلوه إلهياً. فكانت حروبهم إلهية ومن أجله، وصلحهم إلهياً أيضاً ومن أجله، أي بعداً إلهياً مقابل الطاغوت.
فكل أشياء الطاغوت مادية وشيطانية، وإنه يجر المعنويات أيضاً باتجاه الماديات والدنيا. إلا أن الذين يتبعون التعليمات الإلهية، قد أعطوا طابعاً معنوياً لهذه الماديات التي يستفيد منها الجميع، وينظرون لهذه الأمور من الزاوية المعنوية، ينظرون إلى جميع العالم بنظرة إلهية، ويعتبرون كل ذلك مظهراً للخالق.
إذا كان لهم حب للناس فإنه بذلك العنوان المعنوي الموجود، وهو أنهم عبيد الله، مرسلون من عند الله. وليس لأن فلان ولدي، والأخرى ابنتي، وذلك أخي. وإن الشيطان على العكس من هذا، والطاغوت على العكس من هذا. وقد جاء الأنبياء لدعوة الناس من الظلمات إلى النور.
* الأنبياء يخدمون الناس
إن الأنبياء يعتبرون أنفسهم خدماً، ولا يحملون تصوراً بأنهم يحكمون الناس، فلا مجال للحكم. وإن لأولياء الله والأنبياء العظام نفس هذا الإحساس، وهو أنهم جاءوا لهداية الناس وإرشادهم، وأداء الخدمة لهم.